للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب نزول قوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) الآية، والرد على من ينكر تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [سبب نزول هذه الآية معلوم مذكور في كتب التفسير وغيرها، وهو أن مشركي قريش جحدوا اسم الرحمن عناداً، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠]].

والآن في الوقت الحاضر وجد من ينكر أن يكون التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وأصبح يكتب الكتب وينشرها، وهذا الرجل له تلاميذ، وله مؤيدون في كثير من البلاد، وكتبه انتشرت، ويقول: إن أول من قال: إن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام ابن تيمية وهو ضال مضل، ثم تبعه على ذلك ابن عبد الوهاب وهو كذلك ضال مضل هكذا يقول، ثم يلبس بأشياء ما تنطوي إلا على الجهال، ويقول: أين الدليل من كتاب الله أو من أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم على أن الله قال: التوحيد ثلاثة أقسام، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: التوحيد ثلاثة أقسام، أو أن الصحابة قالوا: التوحيد ثلاثة أقسام؟ ائتونا بشيء من ذلك، فيلبس على الناس بهذا الكلام.

فيقال لمثل هذا الجاهل: إن الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم ما كانوا بحاجة إلى أن يقولوا: التوحيد ثلاثة أقسام؛ لأنهم يعرفون ويعلمون ما خوطبوا به تمام المعرفة، ولو سأل سائل عن ذلك لعدوه جاهلاً لا يعرف شيئاً، بل العجائز لا يحتجن إلى هذا التقسيم، ولكن لما كثرت العجمة في الناس وفسدت ألسنتهم واختلطت اللغة العربية بغيرها أصبحوا لا يفهمون كلام الله إلا بقراءة كتب التفسير وقراءة كتب اللغة، لذلك وضعوا هذه التقسيمات، وإلا فالأمر واضح موجود في القرآن، فمثلاً الله جل وعلا يقول: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] فيقال لهذا الجاهل: أخبرنا عن إيمانهم ما هو الإيمان الذي أخبرنا الله جل وعلا أنهم ما يؤمنون إلا وهم مشركون؟ أخبرنا عن إيمانهم وشركهم ما هو؟ يؤمنون بماذا؟ ولأنه جاهل لن يعرف، ولكن يجب أن يرجع إلى كلام السلف، فالسلف بينوا أن إيمانهم هو قولهم: إن الله ربنا، وإن الله خالقنا ورازقنا فإنك إذا سألتهم من خلق السموات والأرض قالوا: الله، وإذا سألتهم من أنزل من السماء ماءً فأحيا بها الأرض بعد موتها قالوا: الله، هذا إيمانهم، وشركهم أنهم يدعون مع الله غيره.

فإذاً دعوتهم مع الله غيره هذا توحيد الدعوة وتوحيد العبادة الذي كفروا به، وإيمانهم هو توحيد الربوبية؛ لأنهم أقروا بأن الرب هو الذي يربي الخلق ويعطيهم ما يحتاجون إليه، ويملكهم ويتصرف فيهم، ليس فيهم أحد ينكر هذا المعنى.

وكذلك يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١] يعني: هل أنكروا أن الله خلقهم أو خلق من قبلهم؟

الجواب

كلا، ولهذا صار حجة عليهم: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢].

فيقال لهذا الجاهل: فهل إقرارهم بأن الله خلقهم وخلق من قبلهم، وأن الله خلق الأرض وجعلها على هذه الصفة، وأن الله أنزل من السماء ماءً فأنبت به النبات الذين يأكلون منه وتأكل منه أنعامهم هل هذا هو التوحيد المطلوب؟ وهل هذا هو المطلوب منهم؟ إن كان المطلوب منهم فقد جاءوا به فما معنى كونهم مشركين؟ وما معنى كونهم يجعلون لله أنداداً؟ وما هي الأنداد؟ وهم جعلوا لله أنداداً في الدعوة وفي الدعاء؛ لأنهم قالوا -مثلاً-: اللات إذا دعوناها تشفع لنا، وكذلك العزى وغيرها.

فالدعاء والعبادة والفعل الذي يصدر منهم يرجون به نفعاً غيبياً، ويرجون من الذي يدعونه نفعاً أو دفعاً، وهذه هي العبادة التي يجب أن تخلص لله، أما الإقرار بأفعال الله التي يفعلها فهذا هو الذي يسمى توحيد الربوبية.

والحقيقة أن هذا الذي يقول هذا القول ما عرف الإسلام، هذه هي الحقيقة الواقعة، فيجب أن يتوب إلى الله وأن يسلم من جديد، ويعرف الإسلام، وإلا فأمامه مصير -أعوذ بالله من ذلك- الكفار، نسأل الله العافية، والآيات في هذا لا حصر لها، بل كل كتاب الله على هذا الطريق، فالله جل وعلا جعل توحيد الربوبية حجة على وجوب توحيد الإلهية في آيات كثيرة ألزم الكفار بذلك، ويقول الله جل وعلا في آخر سورة في المصحف: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:١ - ٣] فهل رب الناس وملك الناس وإله الناس معنا واحد؟ ما أحد قال هذا إلا هذا الجاهل المركب.

فالمقصود أن الأمر كما قال عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله لما رد على أشباه هذا الرجل، بل هم أكثر منه علماً، يقول: ما كنا نتصور أننا نحتاج إلى ذكر مثل هذه الأشياء؛ لأن الصبيان الذين يلعبون في الشارع والعجائز يعرفون ذلك تمام المعرفة، فكيف يخفى ذلك على العلماء أو على طلبة العلم؟! ولكن الفتن والدعوات المضللة هكذا تصنع بالناس، نسأل الله العافية.