قال الشارح رحمه الله: [قوله: (ولا طيرة)، قال ابن القيم: يحتمل أن يكون نفياً أو نهياً، أي: لا تطيروا، ولكن قوله في الحديث:(ولا عدوى، ولا صفر، ولا هامة) يدل على أن المراد النفي، وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعانيها، والنفي في هذا أبلغ من النهي؛ لأن النفي يدل على بطلان ذلك وعدم تأثيره، والنهي إنما يدل على المنع منه].
النفي، أي: نفي الشيء الذي يعتقده الكفار، وليس نفي وجود الطيرة أو ما ذكر معها، فإن هذا موجود ولا ينفى، وإنما ينتفي الشيء الذي يترتب عليها كما هي عقيدة أهل الجاهلية فيها، والنهي موجه لمن يمتثل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يفعل شيئاً من ذلك، وإذا جاء النهي فمعنى ذلك أنه باطل، وهو يشمل أيضاً النفي، وإن كان النفي في مثل هذا أبلغ.
قال الشارح رحمه الله: [وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومنا أناس يتطيرون، قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم)، فأخبر أن تأذيه وتشاؤمه بالطير إنما هو في نفسه وعقيدته، لا في المتطير به].
ولكن قد يبتلى الإنسان إذا استرسل مع ذلك، أو تحراه ونظر إليه، فيصاب بالشيء الذي يتخيله أو يتوقعه جزاءً له؛ لأنه مال إلى وهم الشيطان وتخييله وتزيينه، ولو كان توكل على ربه جل وعلا وعلم أنه لا يقع شيء إلا بإذنه تعالى، وأن الطيور والبهائم والدواب وأصوات الناس ومناظيرهم وأحوالهم لا تغير شيئاً، ولا توجد نفعاً ولا ضراً، إذا علم الإنسان ذلك وتوكل على ربه لن يضره شيء إلا بإذن ربه جل وعلا، فالواقع أنه لا حقيقة له، وإنما يزينه الشيطان ويخوف به من ينظر إلى ذلك، فالمقصود أنه قد يبتلى الإنسان، إما فتنة له؛ لينظر هل يميل إلى ذلك ويصدقه، أم أنه سيعرض عنه نهائياً، ويعلم أن هذا شيء وقع بقدر الله، فوافق ذلك الشيء موافقة فقط، وأن ذلك الشيء -أعني فعل الطير، أو الكلام الذي يسمعه، أو الشيء الذي ينظره- لا صلة له بتقدير الله جل وعلا، ولا ما يصيب الإنسان من خير أو شر.