للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء:٥١]] يقول الله جل وعلا: (ألم تر) أي: ألم تعلم وتنظر وتعتبر وتتفكر؛ في الذين أعطوا حظاً من الكتاب -يعني: من العلم الذي جاء به الوحي من رب العباد- يختارون الضلالة على الهدى عن عمد وقصد (يؤمنون بالجبت والطاغوت) يعني: أنهم يقدمون القول والفعل الذي يريده الشيطان وأعوانه وأنصاره وأتباعه، على الحق الذي جاءت به الرسل، ويتبعون ذلك وهم عالمون بأن فعلهم باطل، وأن من فعل ذلك فقد خرج عن طريقة الرسل التي أوجب الله جل وعلا اتباعها، ومع ذلك يفضلون طريقة الكفار ومنهجهم ومسلكهم على سبيل المؤمنين الذين يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء:٥١ - ٥٢] روى ابن أبي حاتم والإمام أحمد أن الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت هم حيي بن الأخطب وكعب بن الأشرف، لما قدموا مكة قال لهم الكفار: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم، أخبرونا عنا وعن محمد، فقالا لهم: ما أنتم، وما محمد؟ فقالوا: نحن نصل الأرحام، وننحر الكوماء، ونفك العناة، ونسقي الحجيج، ونحن أهل البيت، ومحمد صنبور قطع أرحامنا، واتبعه سراق الحجيج من القبائل من كذا وكذا، فقالوا: أنتم خير وأهدى سبيلاً من محمد، فنزلت هذه الآية، ونزل قوله جل وعلا: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر:٣] والأبتر هو المقطوع الذي لا نسل له.

هذا وإن كان سبب النزول في فرد أو أفراد فكما يقول العلماء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا في جميع ما نزل من آيات الله جل وعلا، وجميع ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كان سببه حادثة معينة؛ لأن الشرع جاء للعموم إلى قيام الساعة، وإن كان له سبب خاص.

المؤلف رحمه الله -كما سيأتي في المسائل على هذه الآية- يقول: ينظر هل إيمانهم بالجبت والطاغوت عن عقيدة واقتناع أو أنه مجرد موافقة للكفار مع بغضهم للجبت والطاغوت وكراهتهم له؟ يعني: أنهم يؤمنون به كما وصفهم الله جل وعلا، مع أنهم يكرهونه ويعتقدون بطلانه، إلا أنهم وافقوا الكفار في الظاهر، فكانوا بهذه المثابة، ووصمهم الله جل وعلا بأنهم يؤمنون بالجبت والطاغوت، وهذا عبرة للمعتبر يجب أن يحذر أن يقع في شيء من ذلك.