وقوله صلى الله عليه وسلم:(ولا صفر) فيه ثلاثة تفاسير، وكلها صحيح، أحدها: أن كثيراً من أهل الجاهلية يتشاءمون بشهر صفر، ويرون أنه مشئوم، فيتركون الأسفار فيه والأعمال مثل التجول وغيره، ويقولون: هذا شهر مشئوم، من سافر فيه وصنع شيئاً فيه فإنه لا يوفق ولا يتم له، فأبطل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العقيدة.
التفسير الثاني: أن المقصود: النسيء الذي ذكره الله في القرآن عنهم، وهو أنهم كانوا يؤخرون شهر محرم إلى صفر، ويقدمون صفر ويجعلونه بدل محرم في السنة، وفي السنة الثانية يتركونه كما هو، يؤخرونه عاماً ويقدمونه عاماً، ويتركونه على ما هو عليه عاماً.
فبين صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل الجاهلية وأنه باطل، وذلك أن القتال في محرم محرم لا يجوز، وكانوا يعتقدون هذا ولا يقاتلون في شهر محرم، ولكن لما كانت الأشهر الحرم ثلاثة متوالية: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم صاروا يقولون: طال علينا الأمد بترك القتال، مما جعلهم يقاتلون في محرم ويحرمون صفر، وهذا من التحريف والتغيير لدين الله جل وعلا.
فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا لا يجوز، والله جل وعلا أخبر أن ذلك زيادة في الكفر، {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}[التوبة:٣٧] وهذا هو النسيء: ينسئون صفر إلى محرم، ومحرم يؤخرونه ويقدمون بدله صفر، ومرةً أخرى يتركونه على ما هو عليه، هذا هو النسيء.
التفسير الثالث: أن المقصود بصفر: دابة أو حية تكون في صفر، وأنها تعدي أشد من إعداء المجذوم، فهذه العقيدة باطلة لا حقيقة لها.
والصواب أن هذه التفاسير كلها باطلة أبطلها الرسول صلى الله عليه وسلم.