للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (ليس بينها وبين الله حجاب)]

فسر قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) بأنها تستجاب، وهذا مقتضى سياق الحديث؛ لأنه لما قال: (اتق دعوة المظلوم) أردفه بقوله: (فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، وتقوى دعوة المظلوم.

بأن يجتنب الظلم ويتقي الله جل وعلا، وليس معنى ذلك إبطال الحُجُب لله جل وعلا، فقد ثبت أن لله حُجُباً يحتجب بها عن خلقه، وهي مما يجب الإيمان به، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، وقد سأل أبو ذر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء فقال له: هل رأيت ربك؟ فقال: (نور أنى أراه؟)، وفي رواية: (رأيت نوراً) يعني أنه رأى الحجب التي أخبر عنها بقوله: (حجابه النور)، والله جل وعلا لا أحد يراه في الدنيا، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الدجال الكذاب الأكبر الذي سيخرج ويزعم أنه رب الناس، ثم قال صلوات الله وسلامه عليه: (واعلموا أن أحداًَ منكم لن يرى ربه حتى يموت)؛ لأن تركيب الخلق كلهم في هذه الحياة الدنيا تركيب ضعيف، ما يستطيع أحد أن يقوم برؤية الله جل وعلا، فإنه لو كشف الحجاب لأحرق نور وجهه وبهائه وجماله كل الخلق، كما قال: (لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره)، وسبحات وجهه أي: بهاؤه وجماله جل وعلا.

فالحجب ثابتة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي حجب حقيقية يجب الإيمان بأن الله جل وعلا احتجب بها عن خلقه.