للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العمل بالعلم]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [وقوله: (قد أحسن من انتهى إلى ما سمع) أي: من أخذ بما بلغه من العلم وعمل به فقد أحسن، بخلاف من يعمل بجهل أو لا يعمل بما يعلم، فإنه مسيء آثم وفيه فضيلة علم السلف وحسن أدبهم].

هذا في الواقع أمر جليل، وهو كون الإنسان إذا ما علم يأثم ويجب عليه أن يعلم، أي: بالأمور التي يقدم عليها ويعملها، فيجب أن يكون على علم، فإنه إن لم يكن على علم فإما أن يقع في بدع وانحرافات فيضل في نفسه ويضل غيره، وإما أن يقصر ويترك الواجب عليه الذي وجب عليه، وكلا الأمرين مضر، ويترتب عليه إثم، فإذاً العلم أولاً ثم العمل ثانياً، كما قال الله جل وعلا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩]، فبدأ بالعلم قبل الاستغفار والعمل، فدل هذا على وجوب العلم، ومعنى ذلك أن كل إنسان لزمه عمل من الأعمال يجب عليه أن يعرف حكم الله فيه، سواءٌ أكان العمل مما يخص نفسه، أم كان يتعدى إلى غيره كالمعاملات والعقود، وسواءٌ أكانت عقود أنكحة، أم عقود بيع أم غيرها؛ لأنه يوشك أن يقع في محرم وهو لا يدري إذا كان لا يعلم، فإذا أقدم على علم فإنه يسلم بإذن الله إذا كان متقياً، أما إذا كان غير متق فيجوز أن يتعمد المخالفة، وهذا أعظم أيضاً، أعظم من الجاهل؛ لأنه ربما عفي عن الجاهل ما لا يعفى عن العالم.

فالواجب على الإنسان أن يقوم بما أوجب الله عليه، وقد جاء أن طلب العلم فريضة على كل مسلم، والمقصود بقوله: (فريضة) الشيء الذي يلزمه، وليس كل علم، فالشيء الذي يلزمه مثلاً يلزمه أن يعرف كيف يتطهر للصلاة، ويلزمه أن يعرف كيف يصلي، ولو وقع في سهو كيف يصنع، وما الذي يعمله في صلاته، ويلزمه أن يعرف كيف يؤدي زكاة ماله إذا كان عنده مال، ويلزمه أن يعرف كيف يصوم، وكيف يحج، وقبل هذا كله يلزمه أن يعرف كيف يعبد الله، وكذلك يتعرف على رسوله صلى الله عليه وسلم المعرفة التي تثبت في القلب، ويكون موقناً بأنه رسول من الله، وهذا لا يكون إلا بعلم وبآياته التي جاء بها التي تدل يقيناً على أنه رسول من عند الله جل وعلا، أما إذا كان يسير على ما يفعله الناس، ويصنع كما يصنعون فهذا في الواقع مسلم في الظاهر، ولكنه يخشى عليه أن يفتن عن دينه، ويخشى عليه أن يقع في المخالفات، ويخشى عليه في قبره أيضاً أنه إذا سئل قال: رأيت الناس يصنعون شيئاً فصنعته.

كما ورد في الحديث.

فالأمور التي يجب على العبد العلم بها هي التي يزاولها وتلزمه، أما الأمور التي ليس له بها صلة فما يلزمه أن يعلمها، كما إذا لم تكن له صلة بالبيع والشراء، وإنما يلزمه الشيء الذي يعمله في الصلاة وفي الطهارة والصوم والحج ونحو ذلك.