بالصبر ينال الأجر العظيم فإن الله جل وعلا يوفي الصابر أجره بغير حساب:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر:١٠]؛ لأنه ليس كالحسنات الأخرى، فإنه قد ذكر الله جل وعلا أن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وهذا عام، وفي بعض المواطن يكون له بالحسنة الواحدة سبعمائة حسنة، كما قال جل وعلا:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}[البقرة:٢٦١]، فهذه حبة واحدة أصبحت سبعمائة حبة، حسنة واحدة تصبح سبعمائة حسنة، وهذا في الإنفاق في سبيل الله، وكذلك سائر الحسنات تكون الحسنة فيه بسبعمائة، ولكن الصبر ليس فيه عدد، وإنما يعطى الصابر أجره بلا حساب، مما يدل على عظمه:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر:١٠]، لا سبعمائة ولا ألف ولا ألفين وليس هناك عدد محصور.
فإذا كان الله جل وعلا يقول: بغير حساب، فهو أمر عظيم جداً، فدل هذا على عظم الصبر وأنه جل وعلا يوفي الصابر جزاءه عظيماً بلا تقدير وعد, وهذا يجعل الإنسان يعرف أن أمر الصبر ليس سهلاً بل عظيم جداً، والسبب في هذا: أن الصبر يشق على النفوس مشقة لا يتحملها إلا من استشعر أمر الله وعرف قدر الله وقدر ثوابه وقدر عقابه، فرضي بأن يكون عبداً لله صادقاً، فيصبر ويعلم أنه بصبره ذلك في عبادة عظيمة، ولو لم يصبر لخسر ولا يؤثر عدم صبره في شيء, ثم إن الله جل وعلا أثنى على الصابرين في مواطن كثيرة من كتابه, جاء عن الإمام أحمد أن الله جل وعلا ذكر الصبر في تسعين موضعاً من كتابه، وجاء عن علي رضي الله عنه أنه قال:(الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد) فإذا ذهب الرأس فما الفائدة من الجسم؟! وقال عمر رضي الله عنه:(وجدنا أطيب عيشنا بالصبر) والواقع أن الصابر يكون معه ربه جل وعلا, ويدرك مراده بالصبر.
وقد أخبر الله جل وعلا أن الإمامة تنال بالصبر:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}[السجدة:٢٤]، صاروا أئمة يقتدى بهم بالصبر، وكثيراً ما يقرن الصابر بأن الله معه:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة:١٥٣]، ومن كان الله معه فلا يضره شيء, ولكن الصبر يجب أن يكون لله جل وعلا وبالله ولن يحصل صبر إلا بالله جل وعلا:{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ}[النحل:١٢٧].