للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم لعن المعين]

قال الشارح: [أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال مجاهد: {إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} [يونس:٢٩] قال: يقول ذلك كل شيء كان يعبد من دون الله.

فالكيِّس يستقبل هذه الآيات -التي هي الحجة والنور والبرهان- بالإيمان والقبول والعمل، فيجرد أعماله لله وحده دون كل ما سواه ممن لا يملك لنفسه نفعاً ولا دفعاً، فضلاً عن غيره].

قال المصنف رحمه الله: [وفي الصحيح: عن أنس قال: شُج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وكُسرت رباعيته، فقال: (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:١٢٨])]: قوله: في الصحيح، يعني: في صحيح البخاري، وقد ذكره البخاري في ثلاثة مواضع من صحيحه، والحديث عن أنس -وقد رواه الإمام مسلم وغيره من أئمة الحديث- فهو حديث ثابت: يقول: (شُج النبي صلى الله عليه وسلم) والشج في الأصل هو: الجرح في الرأس، فيخرج الدم ويسيل، ثم صار يطلق على سائر ما يقع في البدن؛ ولكن الذي جاءت به اللغة: أن الشج يطلق على ما يقع في الرأس من جرح نازف.

شُج صلوات الله وسلامه عليه في وجهه، وكسرت رباعيته، كسر منها جزء وبقي أصلها، وكذلك شفته العليا -صلوات الله وسلامه عليه- شُجت فصار الدم يسيل، وكذلك أصيب في وجنته -في خده- ضربه عبد الله بن قمئة حتى دخلت حلقات المغفر في وجنته صلوات الله وسلامه عليه، فصار يسيل الدم على وجهه ويقول: (كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم) فجاء مالك بن سنان فأمسك حلقات المغفر بأسنانه واجتذبها، ثم ابتلع الدم الذي دخل في فمه، فقال له صلى الله عليه وسلم: (ابتلعت؟ قال: نعم.

قال: لا تمسك النار) وهذا من رفقه برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صار يقول عليه الصلاة والسلام: كيف يفلح القوم الذين يدعوهم نبيهم إلى الله جلَّ وعلا وهم يفعلون به هذه الأفعال؟! حاولوا أن يقتلوه، واجتهدوا قدر استطاعتهم على فعل ذلك، فهذا تجرأ وكسر ثنيته، والآخر ضربه على وجهه حتى دخلت حلقات المغفر في وجنته، فصار يسيل منها الدم، وقال له ابن قمئة: (خذها وأنا ابن قمئة، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لك أقمأك الله؟) فسلط الله جلَّ وعلا عليه تيس الجبل، فصار ينطحه حتى قطعه إرباً إرباً، وهذا هو الوحيد الذي دعا عليه النبي مباشرة في هذه الغزوة، أما البقية فإنه كان يدعو عليهم في الصلاة.

وكان يقول: (اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً)، وجاء في الصحيح أنه كان يسميهم بأسمائهم، ويقول: (اللهم العن صفوان بن أمية، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، والصحابة خلفه يقولون: آمين) يقولون ذلك في الصلاة، وبقي وقتاً وهو يقنت يدعو عليهم، فأنزل الله جلَّ وعلا عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:١٢٨] والمعنى: أنك عبد من عباد الله، أمرك بإبلاغ الرسالة فامضِ في دعوتك، أما هؤلاء فهم عبادي إن شئتُ عذبتهم وإن شئتُ عفوت عنهم، فعفا الله جلَّ وعلا عنهم وأسلموا، أسلم الحارث بن هشام وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وأبو سفيان، وهؤلاء هم قادة الكفار في تلك الغزوة، وغزوا نبيهم في بلده، وجاءوا بجيشهم ليقاتلوه في بلده، واجتهدوا في أن يقتلوه، وقتلوا المسلمين كعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره.