قال الشارح: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن هم أطاعوك لذلك) أي: شهدوا وانقادوا لذلك: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات) فيه أن الصلاة أعظم واجب بعد الشهادتين.
قال النووي ما معناه: إنه يدل على أن المطالبة بالفرائض في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام، ولا يلزم من ذلك ألا يكونوا مخاطبين بها، ويزاد في عذابهم بسببها في الآخرة، والصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهي عنه، وهذا قول الأكثرين.
اهـ].
ما الفائدة بكونهم مخاطبين بفروع الشرع؟ ليس هناك فائدة إلا زيادة عذابهم فقط، ومعنى مخاطبتهم بها أنهم يعذبون على ترك الواجبات، ويعذبون على فعل المحرمات، هذا معنى المخاطبة، أي: أنه إذا فعل محرماً أو ترك واجباً يكون مرتكباً لجريمة، ويدل على هذا قوله جل وعلا في ذكر الكافرين عندما سئلوا وهم في النار:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}[المدثر:٤٢]؟ كان الجواب {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}[المدثر:٤٣ - ٤٦]، فذكروا أنهم ما يصلون، ولا يؤدون الزكاة، وكانوا لا يتركون محرماً إلا وفعلوه:{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}[المدثر:٤٥]، فبين بهذا أنهم يعاقبون على ترك الصلاة وترك الزكاة وغيرها، وأن هذا هو الذي سلكهم في سقر، وإن كان الأصل في هذا هو الكفر وعدم الإيمان، هذا هو الأصل، ولكنهم يعذبون على البقية.
أما كون الصلاة هي أعظم الواجبات بعد الإيمان بالله وشهادة ألا إله إلا الله فهذا تدل عليه أدلة كثيرة من الشرع، منها: أن الله جل وعلا قرن الصلاة بحقه في مواضع متعددة، كقوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ}[الأنفال:٢ - ٣]، وقال في سورة المؤمنون:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}[المؤمنون:١] إلى أن قال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}[المؤمنون:٩]، بدأ الأعمال بالصلاة وختمها بالصلاة، وكذلك في سورة سأل:{إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ}[المعارج:١٩ - ٢٣]، ثم ذكر أوصافهم وختمها بقوله:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}[المعارج:٢٤ - ٣٥]، فهذا كله يدلنا على عظم الصلاة، حيث إنها تبدأ في ذكر الأعمال الصالحة ويختم بها ذكر الأعمال الصالحة.