والشفاعة التي يتعلق بها المشركون قديماً وحديثاً هي من باب قياس الخالق على المخلوقين تعالى الله وتقدس، فهم يرون العظماء لا يأتي إليهم طالب الحاجة منهم إلا بواسطة شفاعة المقربين لديهم، فجعلوا رب العالمين بهذه المثابة، تعالى الله وتقدس، والله جل وعلا لم يجعل بينه وبين خلقه واسطة، بل إذا أردت ربك، فاسأله في أي مكان كنت، وعلى أي حالة كنت، ولا حاجة إلى أن تذهب تبحث عن الوسائط، فالله لم يجعل لك وسائط تتوسط بها عند الله، بل جعل هذا شركاً يمنع من قبول دعوتك إذا دعوته، ويوجب لمن فعل ذلك أن يكون خالداً في النار إذا مات عليه، نسأل الله العافية.
وإنما الوساطة في الحق هي وساطة الرسل في تبليغ الدعوة وفي تبليغ الوحي فقط، فهم الوساطة بيننا وبين ربنا جل وعلا، ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو الوساطة بيننا وبين ربنا في تبليغ أمره وشرعه ونهيه، أما العبادة فليس بينك وبين الله وساطة، بل يجب أن تعبد ربك رأساً، وتطلب منه ما أردت بدون أن تجعل بينك وبينه وسائل ووسائط.
فالمقصود: أن الشفاعة التي يتعلق بها المشركون تكون سبباً لحرمانهم من الشفاعة، ولهذا ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:(يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، الإخلاص هو أن يكون الدعاء خالصاً لله ليس لغيره منه شيء، فأهل الإخلاص هم الذين يشفع فيهم الرسل.
أما أهل الشرك فشركهم يمنعهم من إجابة الشفاعة لهم، والمقصود أن الشفاعة التي جاء ذكرها في القرآن جاءت على قسمين: قسم مثبت، وقسم منفي، فالمثبت هو ما يقع بعد إذن الله ولمن يرضاه ربه جل وعلا، أما المنفي فهو الذي لم يأذن الرب جل وعلا له، كما يزعمه المشركون؛ فإنهم يجعلون أوثانهم وأصنامهم ومعبوداتهم وسائط بينهم وبين الله لتشفع لهم، كما أن في الوقت الحاضر كثير من الناس يجعلون الأولياء وسائط لهم ليشفعوا لهم عند الله، ولهذا يطلبون من الأولياء أن يشفعوا، ويقولون لهم: اشفعوا لنا، وهم أموات لا يستطيعون أن يزدادوا حسنة ولا أن ينقص من سيئاتهم سيئة، ومع ذلك يطلبون منهم الشفاعة، زاعمين أن هذا ينفع، وهذا خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر عظيم جداً ينبغي للإنسان أن يعرفه؛ لأن كثيراً من الناس ضل بسببه، وكثير من الناس يسمي هذا توسلاً ويزعم أنه يقرب إلى الله، وأن الولي محبوب لدى الله، وأن هذا العمل مشروع، وفي الحقيقة هو ينافي التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن التوحيد هو أن يوحد الله في الطلب وفي الدعاء وفي القصد والإرادة، فيوحد الله في ذاته، ولا يطلب من أحد غيره.
أما الادعاءات والتعلقات بالباطل وعلى قول فلان وفلان فهذا لا قيمة له، بل يضمحل إذا حصص الحق، وإذا تبين يوم القيامة للإنسان ما قدم عض على يده نادماً، فالواجب على الإنسان أن يعرف الحق، وما دام أنه بالإمكان أن يعمل ويتوب ويتعرف على الحق وعلى الباطل فليعمل ذلك، وليتمسك بالحق ويجتنب الباطل.