للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الاستسقاء بالأنواء وحكمه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الاستسقاء بالأنواء].

الاستسقاء: طلب السقيا، استسقى إذا طلب أن يُسقى، والاستسقاء بالأنواء: أن يضاف نزول المطر إليها، والأنواء هي: منازل القمر، والعرب كانوا يعتنون بها ويعرفونها، وذلك أنه كان غالب مساكنهم الصحراء، وكانوا يعتمدون على المطر لمواشيهم، وهذا هو مصدر رزقهم، ليس عندهم زراعات ولا تجارات ولا صناعات، فلأجل ذلك كانوا يعتنون بالنظر في الأفق في السماء كثيراً؛ يتطلبون نزول المطر الذي فيه رزقهم، ويرون أنه مصدر رزقهم، وإذا تأخر عليهم المطر ساءت أحوالهم؛ فلهذا صاروا ينظرون إلى الكواكب كثيراً، وينظرون متى يطلع الكوكب الفلاني ومتى يغرب، ويسبرون مجيء السحاب ونزول الأمطار، فإذا وافق نزول المطر طلوع هذا الكوكب أو أفوله يضيفون المطر إليه، ويقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وقد يتكرر هذا أحياناً، وأحياناً يجعلون هذا الكوكب كوكب سعد، وأحياناً يجعلونه كوكب نحس؛ لأنهم ما رأوا فيه أمطاراً، ولهذا سموا بعضها سعد السعود، وبعضها سعد بلاء وسعد الأخبياء وهكذا، فكل واحد كانوا يسمونه حسب عقيدتهم وحسب نظرهم، وهي عقيدة قاصرة جداً؛ ومبنية على أمور ظاهرة، وليست مهتدية بهداية الله أو بوحيه.

والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بإبطال كل أمر من أمور الجاهلية لا يكون موافقاً للحق، فالاستسقاء بالأنواء من عادة أهل الجاهلية الكفار، ومن دينهم وشأنهم؛ ولهذا جعله الرسول صلى الله عليه وسلم كفراً، وأخبر أنه يستمر في هذه الأمة ويدوم فيها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أربع من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الطعن في الأنساب، والفخر بالأحساب، والنياحة على الميت، والاستسقاء بالنجوم) فذكر أن الاستسقاء بالأنواء مستمر فيهم.

والمقصود: أن الاستسقاء بالأنواء معناه: أنهم أضافوا ما نزل من رحمة ومن رزق من الله لهم إلى طلوع الكوكب أو غروبه.

وأما أنهم كانوا يعتقدون أن الكوكب هو الذي ينزل المطر، وهو الذي يخلقه ويوجده، فهذا لا يوجد في اعتقادهم؛ كما ذكر الله جل وعلا ذلك عنهم فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت:٦٣]؛ فلا يقولون: الكواكب، وإنما يقولون: الله، فهم يقرون بهذا، ولكن يضيفون نزوله إلى الكوكب، ويقولون: هذا الكوكب محمود؛ لأنه في وقته تأتي الأمطار، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا كفر.

كما سيأتي.