للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم الاعتراض على أقدار الله عز وجل]

قوله: فلا تقل: (لو أني فعلت كذا وكذا) يعني: لو أني ما قلت كذا أو ما فعلت كذا ما صرت إلى هذا الذي صرت إليه.

لأن هذا اعتراض على القدر، فكأنه يقول: لو أني فعلت كذا ما وقع علي هذا الشيء.

وهذا الذي وقع لا يمكن تغييره، ولو اجتمع الخلق كلهم على أن يمنعوا وقوعه لما استطاعوا؛ لأن الله كتبه وقدره، فقل: قدر الله وما شاء فعل.

فإن لو تفتح عمل الشيطان، وعمل الشيطان هو الاعتراض على القدر، وهو التأسف والأسى والحزن لما وقع وعلى ما فات، هذا عمل الشيطان، ثم يوقعه ذلك في الاعتراض على ربه جل وعلا.

وعمل الشيطان كله شر ويدعو إلى الشر ونهايته أن يجتمع الإنسان معه في النار، وهذا الذي يسعى إليه الشيطان، ومقصوده كله أن يلقيه في النار ثم يتخلى عنه ويتبرأ منه هناك، فماذا تكون الحالة؟ يكون من أسوأ ما يكون، فإن الشيطان إذا أوقع الإنسان في الشر تبرأ منه، كما أخبر الله جل وعلا في ذلك أنه إذا اجتمعوا في النار، يقوم خطيباً في أهل النار -قيل: إنه ينصب له منبر حتى يسمعه أهل النار كلهم- ويقول لهم: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم:٢٢]، يعني: ليس لي عليكم حجة وبرهان يجعلكم تتبعوني، وإنما هي دعوة: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:٢٢]، مجرد دعوة فقط، ثم قال لهم: {فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:٢٢] يعني: ما أنا بمغن عنكم، وما أنا بمغيثكم، وأنتم كذلك لسم بمغنين عني ولا مغيثين لي، ثم يقول: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:٢٢]، هذه هي الحالة، ثم يلعن بعضهم بعضاً ويكون بعضهم عدواً لبعض، فهذا عمل الشيطان يؤول إلى هذا الشيء، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك، وأنك إذا وقعت في شيء تكرهه: (فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، يعني: هذا قدر الله لا يمكن تغييره، وأنا راضٍ به ومؤمن به؛ لأنه لا يتغير، ومسلم لذلك غير معترض ولا منزعج ولا متسخط وآسف على ما أنا فيه؛ فإن تقدير الله كله خير، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (عجباً للمؤمن! إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن)، فهذا ما يكون إلا للمؤمن الذي يكون على هذه الصفة.