[حرص المسلمين الأوائل على سد الذرائع لتعظيم القبور]
لما كان المسلمون على الحق لم يكونوا يقرون بالبناء على القبور، ولا كان يُمَيَّز قبر الصحابي الفلاني أو الإمام الفلاني من غيره، بل تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسووا القبور كلها، وألَّا تجصص وألَّا يبنى عليها بناء، بل لا يوضع عليها من غير ترابها الذي أُخرج منها شيء؛ لأنهم علموا مثل هذه الوقائع التي قصها الله جلَّ وعلا علينا وفهموها تمام الفَهم، وأنها سبب لخروج الإنسان من دينه ودخوله في الكفر، تعلموا ذلك من كتاب الله ومن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولهذا لما فتحوا المدائن وجدوا في خزائن الملوك رجلاً على سرير -وقد مات من أزمان متطاولة- ووجدوا عنده كتاباً، فتُرجم الكتاب، يقول أبو العالية: فأنا أول من قرأه.
فقيل له: وماذا فيه؟ قال: فيه حليكم وعليها أوصافكم وسيرتكم وما سيقع لكم.
فقال له السائل: من تظنون هذا؟ وماذا كانوا يصنعون به؟ قال: كانوا إذا تأخر المطر خرجوا به فسألوا الله جلَّ وعلا به فيُسقون.
فقال له السائل: ومن كان هذا الرجل؟ قال: هو دانيال -ودانيال نبي من الأنبياء-.
فماذا صنع الصحابة به؟ حفروا ستة عشر قبراً أو ثلاثة عشر قبراً في النهار متفرقة، فدفنوه في واحد منها وسووها كلها ليُعَمُّوا ذلك على الناس؛ لأنهم خشوا الفتنة في هذا.
يقول بعض العلماء: هذا لو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسلاح.
والمقصود من هذا: أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعرفون الفتنة في القبور من خطاب الله جلَّ وعلا لهم ومن القصص التي قُصَّت عليهم، فكانوا من أبعد الناس عن تعظيمها أو البناء عليها أو الكتابة عليها.
ثبت في صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تَدَع قبراً مشرفاًَ إلا سويته، ولا صورة إلَّا طمستها) فهذا الأمر بتسوية القبور وطمس الصور هو من أجل أن الفتنة في القبور وفي الصور فتنة عظيمة يمكن أن يخرج تعظيمها عن الدين الإسلامي.