للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أصل مشكلة القدرية في أفعال الإنسان]

أما المتأخرون منهم فإشكالهم في أفعال الإنسان، وأصل المشكلة عندهم جاءت من تفسير الظلم، وذلك أن الله جل وعلا نفى عن نفسه الظلم، كما قال جل وعلا: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦]، وفي الحديث الصحيح: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه:١١٢] الظلم هنا في الآية: أن يوضع عليه سيئة لم يعملها، أن يوضع عليه جزاء سيئة لم يعملها، وأما الهضم: أن يؤخذ شيء من حسناته، وهذا كثير في القرآن، قالوا: الظلم: هو التصرف في ملك الغير بغير إذنه أو بغير حق، هذا تفسير الظلم عندهم، وقالوا: مستحيل وقوع الظلم على هذا من الله جل وعلا؛ لأن كل شيء ملك لله جل وعلا، ويؤيدوا هذا القول بأحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أن الله لو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، قالوا: هذا دليل على ما نقول، ولكن ليس هذا معنى الحديث كما يقولون، معنى الحديث: أن أهل السموات وأهل الأرض لن يقوموا بما يجب لله جل وعلا على الوجه الأتم المطلوب فحق الله عظيم جداً، ولكن الله عفو كريم، يقبل القليل ويعفو عن الكثير، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠] جل وعلا.

ثم قالوا: لو قلنا: إن الله جل وعلا كتب على الإنسان أعماله وقدرها وشاءها، ثم عذبه عليها؛ للزم أن يكون ظالماً له، هذا هو أصل المشكلة عندهم.

فيقال لهؤلاء: إن الله جل وعلا خلق الإنسان في طوله وعرضه وفي لحمه ودمه وكذلك صفاته، ومن ذلك أنه خلق له القدرة والإرادة، وجعل القدرة والإرادة هما اللتان يفعل بهما ما يريد، فيكون فعله بقدرته وإرادته هو الذي يجازى عليه ثواباً أو عقاباً.