قال الشارح رحمه الله: [وقوله: (إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل) ونحو ذلك، ونهى عن التمادح وشدد القول فيه، كقوله لمن مدح إنساناً:(ويلك! قطعت عنق صاحبك) الحديث أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: أن رجلاً أثنى على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (قطعت عنق صاحبك، ثلاثاً).
وقال:(إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة عن المقداد بن الأسود].
وقد امتثل المقداد بن الأسود رضي الله عنه هذا القول، فثبت أنه كان جالساً يوماً عند أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، فسمع رجلاً يمدح أمير المؤمنين، فجثا المقداد على ركبتيه، وجعل يحثو التراب في وجهه، فقال له أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: مالك؟ قال: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفعل بالمداحين.
فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يمتثلون ما أمرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على أن المقصود به ظاهره، وليس كما قال بعض الشراح: إن معنى قوله: (احثوا وجوههم التراب) يعني: خيبوا طلبهم، فإذا جاءوا يمدحون ويطلبون شيئاً فلا تعطوهم شيئاً، ليس هذا هو المقصود، إنما المقصود هو ما فعله الصحابي رضوان الله عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم أفصح الناس قولاً، وأعلمهم علماً، وأنصحهم للأمة، فإذا قال قولاً فيجب أن يفهم كما قاله صلوات الله وسلامه عليه، ولا تطلب له غرائب المعاني، ولا يؤول، إلا أن يكون هناك نص آخر يعارضه؛ لأن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتعارض.