قال الشارح: [ومثله الحديث: (ماذا قال ربنا يا جبريل؟) وأمثال هذا في الكتاب والسنة كثير.
قوله:{قَالُوا الْحَقَّ}[سبأ:٢٣] أي قالوا: قال الله الحق، وذلك لأنهم إذا سمعوا كلام الله صُعقوا، ثم إذا أفاقوا أخذوا يسألون فيقولون:{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}[سبأ:٢٣] فيقولون: قال الحق: قوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ:٢٣] علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات، فله العلو الكامل من جميع الوجوه كما قال عبد الله بن المبارك لما قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه على عرشه بائن من خلقه، تمسكاً منه بالقرآن، لقول الله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥]{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ}[الفرقان:٥٩] في سبعة مواضع من القرآن.
قوله:((الْكَبِيرُ)) أي: الذي لا أكبر منه ولا أعظم منه تبارك وتعالى]: قوله عن الملائكة أنهم لما سألوا جبريل ماذا قال ربهم؟ فأجابهم قال: الحق، ثم يقولون كلهم: قال الحق، هذا دليل على خضوعهم وذلهم أمام الله جلَّ وعلا، وأنهم عند قول جبريل: قال الحق، ينتهون عن الاستفسار والسؤال، ومعلوم أن الله جلَّ وعلا لا يقول إلَّا الحق، وكل قوله حق تعالى وتقدس، فهم عندما صعقوا وخروا سجداً توقعوا أنه تكلم بالأمر بقيام الساعة، هذا سبب الخوف؛ لأن الوحي انقطع بعد عيسى عليه السلام، وقد علموا أن الوقت اقترب، والساعة خفيت عليهم؛ لأنها ثقلت في السماوات والأرض، ولا تأتي الخلق إلَّا بغتة، ولا يعلم مجيئها إلَّا الله، فلما تكلم الله جلَّ وعلا بالوحي الذي أوحاه إلى جبريل وأمره أن يذهب به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، خشي الملائكة لما سمعوا ذلك وأحسوا به أن يكون الأمر وحي إلى إسرافيل بالنفخ في الصور، فصُعقوا خوفاً من قيام الساعة؛ لأن الله جلَّ وعلا يجزي كل مسيئ بإساءته، ويستقر أهل النار في النار، وأهل الجنة في الجنة، والملائكة يخافون الله جلَّ وعلا، مع أنهم لا يفعلون إلَّا ما يؤمرون، ولكن الله جلَّ وعلا في ذلك اليوم يغضب غضباً شديداً حتى أن أولي العزم من الرسل يقولون:(إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله)، وغضبه ذلك على الكفار والعصاة والفجار الذين بارزوه بالمعاصي، وحاربوه في الدنيا، فهو يمهل لهم العقوبة إلى ذلك اليوم، وفي ذلك اليوم يظهر الجزاء، والملائكة خافوا أن يكون قد حضر وقت الجزاء، فهم يخشون ربهم أشد الخشية، وإن كانوا لا يعصون الله جلَّ وعلا؛ ولكن مع ذلك يخشون عذابه، فإذا قال لهم: قال الحق، انتهوا إلى هنا، فصاروا يرددون هذا القول، ويقولون: قال الحق قال الحق، فهذا دليل على تعظيمهم لله جلَّ وعلا، وعلى أنهم لا يتجاوزون ما قيل لهم، ولا يستفسرون أكثر مما قيل لهم.