للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر بعض الأدلة على زيادة الإيمان]

قال الشارح رحمه الله: [والدليل على أن الإيمان يزيد قوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:٣١]، وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤] خلافاً لمن قال: إن الإيمان هو القول -وهم المرجئة-، ولمن قال: إن الإيمان هو التصديق، كالأشاعرة.

ومن المعلوم عقلاً وشرعاً أن نية الحق تصديق، والعمل به تصديق، وقول العقل تصديق، وليس مع أهل البدع ما ينافي قول أهل السنة والجماعة، ولله الحمد والمنة.

قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} [البقرة:١٧٧] أي: فيما عملوا به في هذه الآية من الأعمال الظاهرة والباطنة، وشاهده في كلام العرب قولهم: حملة صادقة].

يعني أن هذه الأمور المذكورة في الآية كلها إيمان، والبر والتقوى والإحسان والإيمان كلها مترادفة، فبعضها يدل على بعض، وقوله: (لَيْسَ الْبِرَّ) يعني: الإيمان، (أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) إلى آخر الآيات، فجعل المجموع هو البر.

وكذلك قال جل وعلا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ} [البقرة:٢٨٥] إلى آخر الآية.

والآيات في هذا كثيرة، وكلها تجعل الأعمال إيماناً، ولم يأتِ في كتاب الله -في الغالب الكثير- ذكر الإيمان أو ذكر (الذين آمنوا) إلا ويقرن بالعمل الصالح لقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:٢٥]، فلابد من التصديق، وإذا قيل: إن التصديق هو الإيمان فلابد من العمل معه، فمجرد التصديق لا يكفي ولا يفي، ولا يجعل مجرد التصديق الإنسان مؤمناً.

والأشاعرة ونحوهم الذين قالوا: إن الإيمان هو التصديق استدلوا بقوله تعالى في قصة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف:١٧] يعني: بمصدق قولنا.

فقالوا: دلت الآية على أن الإيمان هو التصديق، ولكن لو قدر أن هذا صحيح وسلم لهم أن التصديق يسمى إيماناً فيقال: إن كان هذا الإيمان في اللغة فليس هذا هو الإيمان الشرعي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه جاء بوجوب القول ووجوب العمل، وهو كله إيمان، والأمر في هذا لا إشكال فيه، ولكن إذا كان الإنسان له هوى أو كان مقيداً بمذهب معين لا يريد الخروج عنه فإن هذا هو الذي يمنعه من اتباع الحق، فيجعل ذلك عقبات أمامه.