للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاختلاف أساس كل شر]

من المعلوم أن الاختلاف هو أساس كل شر؛ ولهذا يمتنع استباحة الكفار للمسلمين حتى يقع الاختلاف بينهم، فإذا وقع فإنه يجوز أن يهلكوا عموماً، فالاختلاف محرم في كتاب الله جل وعلا وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس المراد بالاختلاف هنا الاختلاف في الفهوم، الفهم لا يمكن أن يتفق، الاختلاف هنا اختلاف مذموم محرم مكروه عند الله جل وعلا ورسوله، والاختلاف المباح هو الذي يكون في الفهوم، في فهم النصوص مثلاً؛ لأن النصوص فيها مجال للفهم والاختلاف في مناص الحكم، فمثلاً قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)، قد يقول بعض العلماء: هذا النهي وهذا القول يدل على أنها إذا أقيمت الصلاة بطلت كل صلاة تلبس بها المصلي، ويقول آخر: لا، ليس هذا معناه، بل معناه: أنها إذا أقيمت الصلاة فلا يجوز أن يدخل في صلاة جديدة، أما إذا كان في صلاة فيكملها؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:٣٣]، مثل هذا الاختلاف لا بأس به، وهذا الذي يكون بين الفقهاء وبين العلماء؛ لأن كل واحد يتمسك بالنص، ويقول: المراد به كذا وكذا.

أما الاختلاف الذي يحدث العداوة، ويحدث التفرق، ويحدث بعد ذلك التدابر ثم التباغض ثم التقاتل؛ فهذا هو الذي إذا حدث أصيبت الأمة بتسليط الأعداء عليها؛ لأن بعضهم سلط على بعض أولاً، وإذا حدث شيء من ذلك فعلى الإنسان أن يصبر، ويحاول تلافي هذا الشيء بكل ما يستطيع، ولا يضرم النيران، ولا يزيد الاختلاف فيصبح مثلاً يغري الذين لا يكون عندهم علم، ومن كان عندهم من الغرور ما يحدوهم إلى التمادي في هذا الباطل، ولا يجوز له أن يتمادى معهم، يجب أن يتلافى الأمر بكل ممكن، ولا يكون شريكاً لهؤلاء، يقول الله جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣] وحبل الله هو كتابه أو دينه، ما دام المؤمنون نهجهم وعقيدتهم وهدفهم واحداً فالفهوم لا يجوز أن تكون مجالاً للتنافر والتباغض، ولا يمكن أن يكون فهم هذا كفهم هذا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مثلي ومثل ما بعثني الله جل وعلا به كمثل غيث أصاب أرضاً، فكان منها أرضاً طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ، فرعى الناس وانتفعوا، وكان منها طائفة قيعان لا تنبت الكلأ، ولكنها أمسكت الماء، فورد الناس وارتووا وانتفعوا، ومنها أجادب لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ) فجعل الناس بالنسبة للوحي ثلاثة أقسام: قسم: أهل فقه وأهل علم يستطيع أن يستنتج من النص ما لا حصر له من الأحكام، وهذا الذي مثله بالأرض الطيبة التي تنبت الماء، وتنبت الكلأ الكثير.

وقسم آخر: ليس عنده فقه، ولكن عنده حفظ يحفظ النصوص فينتفع الناس بحفظه.

وقسم ثالث: لا حفظ عنده ولا فهم ولا فقه، مثل الأعراب ليس لهم اهتمام بأمر الدين، فهؤلاء مثل السباخ التي ينزل عليها المطر ويزيدها دحضاً وأذىً للناس، لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء.