للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المقصود بالقوة في حديث: المؤمن القوي]

حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الذي روي في الصحيح يقول: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف)، والمقصود بالقوة هنا قوة الإرادة وفعل السبب، قوي في إرادته مبادر إلى ما أمر به بدون توانٍ ولا فتور.

هذا هو القوي الذي يحبه الله؛ لأنه قوي في إرادته وفي عمله الذي أمر به، ويعلم أنه عبد مأمور يجب عليه أن يمتثل ويبادر.

قوله: (أحب إلى الله من المؤمن الضعيف) أي: ضعيف الإرادة فقد يكون ضعيفاً في إرادته، وضعيفاً فيما يواجه ولكنه مؤمن ليس عنده اعتراض ولا عنده تسخط، غير أنه ضعيف الإرادة، فهذا يحبه الله، ولكن الأول أحب إلى الله منه، وفي هذا أن الله يحب المؤمنين، وقد جاءت النصوص كثيرة في أن الله يحب أنواعاً من المؤمنين، كما قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:٤]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:٢٢٢]، ويحب الصادقين، ويحب الذين يسارعون في الخيرات.

فالمحبة التي يوصف الله جل وعلا بها صفة تليق به لا يجوز أن نجعلها مثل محبة المخلوقين، ولا يجوز أن نعتقد أن محبة الله كالمحبة التي يفسرها الأشاعرة وغيرهم بأنها ميل في النفس إلى الملائم الذي يقتضي الموافقة أو نحو ذلك؛ فإن هذه محبة المخلوق.

أما محبة الله جل وعلا فهي كبقية صفاته لا نعلم حقيقتها، ولكن نعرف ما معنى المحبة، كما أننا نعرف معنى السمع والبصر، أما حقيقة اتصاف الله جل وعلا بها فهذه لا نعلمها ولا نعرفها، فعلينا أن نثبت ما أثبته الله جل وعلا حقيقة ونؤمن به، ولا نجعله كالشيء الذي نعرفه من أنفسنا، كما أنه جل وعلا هو بنفسه لا يماثل شيئاً من خلقه، وكذلك هو في صفاته.

فالمؤمن القوي محبوب إلى الله جل وعلا أكثر من المؤمن الضعيف، وهو الذي يكون عنده قوة في تنفيذ أمر الله والامتناع عن مناهيه بقوة، ذو إرادة قوية، فهو يفعل الأسباب أسباب الخير، ويجتنب أسباب الشر مستعيناً بربه ومتوكلاً عليه.