للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعاء في الكتاب والسنة]

قال الشارح رحمه الله: [قال ابن جرير: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الفرقان:١٧] من الملائكة والإنس والجن، وساق بسنده عن مجاهد قال: عيسى وعزير والملائكة، ثم قال: يقول تعالى ذكره: قالت الملائكة -الذين كانوا هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون الله- وعيسى: تنزيهاً لك يا ربنا وتبرئةً مما أضاف إليك هؤلاء المشركون: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان:١٨] نواليهم {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمَاً بُورَاً} [الفرقان:١٨] ((أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ)) [سبأ:٤١].

انتهى.

قلت: وأكثر ما يستعمل الدعاء في الكتاب والسنة، واللغة، ولسان الصحابة ومن بعدهم من العلماء: في السؤال والطلب، كما قال العلماء من أهل اللغة وغيرهم: الصلاة لغةً: الدعاء، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر:١٣] الآيتين، وقال: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعَاً وَخُفْيَةً} [الأنعام:٦٣] وقال: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدَاً أَوْ قَائِمَاً} [يونس:١٢] وقال: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت:٥١] وقال: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت:٤٩] الآية، وقال: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:٩] الآية، وفي حديث أنس مرفوعاً: (الدعاء مخ العبادة) وفي الحديث الصحيح: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة) وفي آخر: (من لم يسأل الله يغضب عليه) وفي حديث: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه]: هذه الأحاديث وإن كان فيها من الضعيف مثل: (الدعاء مخ العبادة)، ومثل قوله: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) إلا أنه ليس المقصود الاعتماد على ذلك، وإنما المقصود الاستشهاد بهذا، وما زال العلماء رحمهم الله يستشهدون بالضعيف؛ ولكنهم لا يعتمدون عليه، وذلك حينما يكون متفقاً مع الصحيح في المعنى فإنه يكون شاهداً؛ لأنه قد يكون أوضح في العبارة وأبين.

وأما قوله: إن الصلاة هي: الدعاء، فالمقصود بها: في لغة العرب الذي نزل بها القرآن، وليس المقصود في لغة الرسول صلى الله عليه وسلم حينما يقول: الصلاة؛ لأنه جعل الصلاة على أشياء مخصوصة تشمل الدعاء وتشمل القيام والركوع والتكبير، ولهذا تعرَّف الصلاة بأنها: أفعال مخصوصة تُفتَتح بالتكبير وتُختَتم بالتسليم، فهو شيء خاص؛ ولكن الأصل فيها أنها الدعاء؛ لأن الله جلَّ وعلا يقول: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:١٠٣]، فالمراد بقوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} يعني: يدعو لهم، فالصلاة هنا: الدعاء، وهي مأخوذة من هذا؛ لأنها -في الواقع- دعاء، فالقيام يكون دعاء عبادة، والركوع دعاء عبادة، والسجود دعاء عبادة، والقراءة والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد وكل ما فيها يكون دعاءً، إلَّا المسألة حينما يقول: رب اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وما أشبه ذلك فهذا دعاء مسألة، ويلزم منه دعاء العبادة؛ لأن السائل يلزم أن يكون خاضعاً خائفاً راجياً: خائفاً من ذنوبه راجياً ثواب ربه، وهذه هي العبادة.

أما دعاء العبادة: فكونه يقوم خاشعاً لله يركع ويسجد ويقرأ ويكبر ويهلل؛ فإنه بهذه الأفعال يطلب من الله الإثابة، ويهرب من العذاب بذلك، وهذا هو الطلب في الحقيقة، فكل فعل يفعله الإنسان يريد التقرب به إلى الله فهو داخل في هذا.