[لا تجوز الاستعاذة بالجن]
قال الشارح: [وذلك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى بواد قفر وخاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يريد كبير الجن، وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاستعاذة بغير الله، وقال ملا علي قاري الحنفي: لا يجوز الاستعاذة بالجن].
لأن الاستعاذة عبادة كما سمعنا، والعبادة لا تجوز أن تكون لغير الله جل وعلا، فإذا ثبت أنها عبادة فيجب أن تكون خاصة بالله وحده، ويكون صرفها لغير الله كصرف سائر العبادات شركاً بالله.
قال الشارح: [فقد ذم الله الكافرين على ذلك، وذكر الآية وقال: قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:١٢٨] فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه، وامتثال أوامره، وإخباره بشيء من المغيبات، واستمتاع الجني بالإنسي تعظيمه إياه، واستعاذته به، وخضوعه له.
انتهى ملخصاً].
يقول جل وعلا للجن يخاطبهم: إنكم أضللتم أناساً كثيراً من الإنس، فيقول الإنس لرب العالمين: قد استمتع بعضنا ببعض، يعني: أنهم انتفعوا بالجن إما بإخبارهم ببعض المغيبات أو بنفعهم النفع الذي هو نفع محدود، وكذلك الجن استمتعوا بالجن بطاعتهم، وعبادتهم لهم، واستعاذتهم بهم، ويقولون: {بَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} يعني: أن الأجل الذي جعل لهم في الدنيا قد انتهى، وأنهم قد حضروا بين يدي الله، ولكن هذا الإذعان، وهذا الإقرار، وهذا الاستسلام لله جل وعلا؛ لا يفيدهم شيئاً؛ ولهذا يقول جل وعلا: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}، فهذه النهاية التي يخبر الله جل وعلا عنها سواء في المستعيذ المستمتع أو الذي استعيذ به، وكلاهما تكون نتيجته أن الله يجازيه بما يستحق.
قال الشارح: [فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه، وامتثال أوامره، وإخباره بشيء من المغيبات، واستمتاع الجني بالإنسي تعظيمه إياه].
وقد يكون الاستمتاع في قضاء الشهوة من هذا وهذا، وهذا يقع كثيراً من الجهلة الذين تخلو قلوبهم من الإيمان، ومن ذكر الله جل وعلا، فإن الجن يستمتعون بهم، وهم يستمتعون بالجن، نسأل الله العافية.
قال الشارح: [واستعاذته به وخضوعه له].
المقصود أن هذا يدل على أن الجني قد يلابس الإنسي ويداخله، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، فإذا كان يجري منه مجرى الدم فمعنى ذلك أنه يستطيع أن يداخله ويكون في جسمه.
قال المصنف: [وفيه أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية لا يدل على أنه ليس من الشرك].
يعني: كون الإنسي إذا استعاذ بالجني قد يعيذه، وكذلك إذا ذبح الإنسي للجن فقد يخرج الجني الذي فيه، وينفعه في هذا، فيكون في هذا نفع، ولكن هذا ليس دليلاً على أنه جائز، بل الله جل وعلا أخبرنا أن الخمر فيها منفعة، ولكن مضرتها أعظم، فليس كل ما فيه نفع يجوز فعله، والشرك قد يكون فيه منفعة كما ذكر، ولكن عاقبته وخيمة جداً، فالمقصود أنه ليس كل ما فيه نفع يكون جائزا ًفعله.