للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب: في طاعة العلماء والأمراء ومتى تكون شركاً

قال الشارح رحمه الله تعالى: [باب: من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله، لقول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١]، وتقدم تفسير هذا في أصل المصنف رحمه الله عند ذكر حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه].

لما كانت الطاعة الخاصة هي العبادة، والمقصود بالطاعة الخاصة: الطاعة في التحليل والتحريم؛ لأن هذه من خصائص الله جل وعلا، وهي في الواقع أن يأمر بالشيء فيطاع، وينهى عن الشيء فيمتنع منه، فكان الذي يشاركه في هذا ويتبع عليه بمنزلة الرب، ولذلك ذكر الرب هنا؛ لأن الرب جل وعلا هو المالك المتصرف الذي يملك كل شيء ويتصرف فيه، ومن تصرفه الأمر والنهي، فيشرع لعباده شرعاً ويأمرهم أن يفعلوه، ويمنعهم من موانع ويعينها لئلا يقربوها.

ولا يجوز أن يشارك الرب جل وعلا في هذا أحد من الخلق فإن شاركه أحد من خلقه فقد نازعه في ربوبيته وملكه، ثم الذي يتبع هذا المخلوق في التحليل والتحريم والتشريع يكون متخذاً لهذا المخلوق رباً من دون الله, ومعلوم أن الحكمة من خلق الخلق هي طاعة الله جل وعلا، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، قال: (إلا لآمرهم وأنهاهم)، فيكون الأمر والنهي في التشريع من خصائص الله جل وعلا، ولهذا نص المؤلف على هذا الأمر لأن تركه مضاد للتوحيد، أي أن من أطاع غير الله في التحليل والتحريم فقد وقع في الشرك الأكبر، وقد ذكر الله جل وعلا في آيات كثيرة حال هذا النوع يوم القيامة فقال: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:٦٧ - ٦٨]، ولكن هذا لا يفيد في شيء؛ لأن التابع والمتبوع يجتمعان في جهنم في عذاب النار، ويا ليت وما أشبه ذلك لا تفيد شيئاً في ذلك اليوم.

والمقصود: أن المقلد في هذا لا ينفعه تقليده ولو اعتذر بالجهل أو اعتذر بالغرور، ولذلك فالواجب على العبد أن يخلص نفسه.

وقلنا: في الطاعة الخاصة؛ لأن طاعة المخلوق إذا لم تكن في معصية الخالق فإنها غير ممنوعة.

والمعصية إما أن تكون في تحليل الحرام أو تحريم الحلال وليس شرطاً أن ينص على هذا بقوله: هذا حلال وهذا حرام، ولكن إذا كان أمره مخالفاً لأمر الله ومصادماً له فهذا هو المحذور والذي لا يجوز أن يقع من الإنسان، وهو الذي يكون فيه الشرك أكبر، ولهذا أمر الله جل وعلا بطاعة أولي الأمر تبعاً لطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولذلك فإن الولاة والعلماء يطاعون إذا أمروا بطاعة الله، أما إذا أمروا بمعصية فلا طاعة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، وقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله)، وهذا عام يشمل الوالد ويشمل من هو أبعد منه، فكل مخلوق لا يطاع في معصية الله جل وعلا فإن أطاعه وهو يعلم فقد اتخذه رباً، أما إذا كان جاهلاً ولا يعرف بل يتصور أن طاعته ليست مخالفة لأمر الله فإذا كان هذا الأمر من الأمور الواضحة الجلية فهو داخل فيمن يطيع وهو يعلم، أما إذا كان فيه خفاء فأمره إلى الله وله حكم أهل الجرائم، ولكنه لا يكون كافراً.

ثم استدل على هذه المسألة بأدلة كعادته التي سار عليها في هذا الكتاب، أنه يعتمد على آيات من كتاب الله ثم يأتي بأحاديث تكون موضحة لهذه الآيات، وربما تكون بعض هذه الأحاديث التي يأتي بها فيها شيء من الضعف؛ لأنه ليس العمدة عليها، وإنما العمدة على الآيات التي يذكرها، وهذه تأتي من باب البيان والتفسير، وهذه طريقة العلماء.