للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب)]

قال المصنف رحمه الله: [وقول الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء:٥٧]].

قبل هذه الآية يقول الله: {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} [الإسراء:٥٦] (ادعوا الذين زعمتم) يعني أنهم كانوا يدعون المخلوقين غير الله جل وعلا، وقوله: (ادعوا) هذا أمر تعجيز وتهديد لهم، يقول: إنكم إذا دعوتموهم فإن دعوتهم لا تنفع بل تضركم، {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ} [الإسراء:٥٦] لا يملكون كشف الضر الذي تدعونهم لكشفه ولا تحويله من مكان إلى آخر، والمعنى أنهم لا يملكون شيئاً.

ثم بعد ذلك قال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} [الإسراء:٥٧] يكاد يجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت في الذين يدعون المسيح وأمه وعزيراً والملائكة، يقول: إن هؤلاء الذين تدعونهم عباد مثلكم يتسابقون في طاعة الله والتقرب إليه أيهم يكون أقرب إلى الله بالعمل الصالح الذي يعمله، فهم لا يجوز أن يدعون، فدعوتكم إياهم ضلال وخسران، وهي تضركم ولا تنفعكم.

وقيل: إنها نزلت في قوم من الجن كان بعض المشركين يدعونهم، وكان من عادة المشركين أنهم يعبدون الجن، فقال الله جل وعلا عنهم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:٦] كان أحدهم إذا آواه الليل وهو في البر ينادي ويقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه.

أستجير بسيد هذا الوادي-يعني رئيس الجن- أستجير وأستعين به -وهذه عبادة- من سفهاء قومه أن يعتدوا علي ((فزادوهم رهقاً)) يعني: خوفاً وذلاً.

فأذلوهم حيث تسلطوا عليهم بسبب هذا الدعاء الذي هو العبادة؛ لأن الذي يتعلق بغير الله يسلط الله عليه ذلك المخلوق الذي تعلق به بخلاف الذي يتجه إلى ربه جل وعلا فإنه لا يضره شيء، والله يحميه.

فقوله: ((أولئك الذين يدعون)) يعني: هؤلاء.

وقرأ بعض القراء: ((أولئك الذين تدعون)) خطاباً للكفار، أنهم يدعون بعض من يدعونهم من دون الله، سواءٌ أكانوا ملائكة أم غيرهم، فإن فريقاً من مشركي العرب كانوا يعبدون الملائكة كما أخبر الله جل وعلا عنهم في كتابه، وإذا جمعهم يوم القيامة فإن الله يخاطب الملائكة ويقول: {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ:٤٠]، فتتبرأ الملائكة منهم ويقولون: {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ:٤١] أي: الشياطين التي أمرتهم بذلك {أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:٤١]، ومنهم من يعبد المسيح، ومنهم من يعبد عزيراً وهو نبي، وكذلك أم المسيح مريم عليها السلام، فقد كان بعض الناس يعبدها وهي ليست نبية، وإنما هي صديقة كما أخبر الله تعالى عنها، فهؤلاء المعبودون يخبر الله جل وعلا عنهم أنهم كانوا يتقربون إلى الله ويسارعون إلى مرضاته أيهم يكون أقرب عند الله، والوسيلة التي يبتغونها هي الإسلام، هي الدين الذي أوحاه الله جل وعلا إلى أنبيائه.

وقوله تعالى: ((يبتغون إليه الوسيلة)) يعني: يعتنقون الدين ويؤمنون به ويتبعونه؛ لأنه هو الوسيلة التي تقربهم إلى الله جل وعلا.

ويتبين بهذا أن الدعاء من العبادة يجب أن يكون خالصاً لله جل وعلا وحده.