للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار الواردة في تفسير الآية]

قال: [وحدثنا بشر بن معاذ قال: حدثني يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا.

وهذا إسناد صحيح عن الحسن رحمه الله.

قال العماد بن كثير في تفسيره: وأما الآثار فقال محمد بن إسحاق: عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت حواء تلد لآدم عليه السلام أولاداً فتعبدهم لله، وتسميهم عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: أما إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه به لعاش، فولدت له غلاماً فسماه: عبد الحارث، ففيه أنزل الله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [الأعراف:١٨٩] الآية].

كون الشيطان اسمه: الحارث، هذا يحتاج إلى إثبات ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في هذا شيء يثبت، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها: حارث وهمام)، ولو كان الشيطان اسمه الحارث لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، ولا جعل التسمية به جائزة في قوله: (أصدقها حارث)، فيجوز أن يسمي الإنسان ولده حارثاً أو هماماً؛ لأن الحرث هو العمل، والهم هو عمل القلب.

فالذي يظهر أن هذا منقول عن أهل الكتاب كما قال الحافظ ابن كثير، أي: كون الشيطان اسمه الحارث، وكونه كان من عباد الملائكة، فهذا يحتاج إلى إثبات، والله جل وعلا ذكر في القرآن أنه من جنس آخر وليس من جنس الملائكة، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة خلقت من نور، والله جل وعلا أخبر في القرآن أن الشيطان خلق من شواظ من نار، فهو من النار وليس من النور، فأصله من غير أصل الملائكة، وكذلك عمل غير عمل الملائكة، فكونه يسمى الحارث يحتاج إلى ثبوت، وليس هناك شيء يثبت به، وهذا مما يقدح أيضاً في هذه القصة، وليس الحديث دليلاً على أنه الحارث؛ لأن الحديث كما قال الحافظ ابن كثير: ضعيف.

[وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: فأتاهما الشيطان فقال: هل تدريان ما يولد لكما؟ أم هل تدريان ما يكون، أبهيمة أم لا؟ وزين لهما الباطل، إنه لغوي مبين، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشيطان: إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سوياً ومات كما مات الأول، فسميا ولدهما عبد الحارث، فذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف:١٩٠]].

لو صح هذا لقال آدم: وأنت لا تدري أيضاً، ولا تستطيع أن تعمل شيئاً؛ لأن هذا من صنع الله جل وعلا ومن فعله، فكيف يصدقه آدم عليه السلام وهو الذي قد علمه ربه جل وعلا أسماء كل شيء، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً؟! يقول ابن حزم رحمه الله: الحديث موضوع، والآثار هذه كلها خرافة، هكذا قال في كتاب الفصل في الملل والنحل لما ذكر هذه القصة، قال: هذه خرافة، والحديث موضوع، ولكن ابن حزم رحمه الله عنده جرأة في بعض ما يحكم به.

[وذكر مثله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه ابن أبي حاتم، وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه كـ مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، ومن الطبقة الثانية قتادة والسدي وجماعة من الخلف، ومن المفسرين والمتأخرين جماعات لا يحصون كثرة].

وإن كان تلقاه أصحاب ابن عباس عنه، وتلقاه التابعون وأتباعهم عنهم، فلا يخرج هذا عن كونه مأخوذاً من أهل الكتاب، فآدم الذي خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، وعلمه أسماء كل شيء، ثم لما وقع في الخطيئة تلقى من ربه كلمات وتاب عليه، واجتباه وهداه، ثم بعد ذلك يقع في الشرك؟ هذا بعيد جداً، وإن كان الشارح لما ذكر قول ابن كثير قال: هذا بعيد جداً، فالبعيد جداً هو ما صححه الشارح رحمه الله.

[قال العماد بن كثير: وكأن أصله -والله أعلم- مأخوذ من أهل الكتاب، قلت: وهذا بعيد جداً.

].