للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قتل المنافق المغموس في النفاق]

قال الشارح رحمه الله: [ومن تدبر ما في التاريخ وما وقع منهم من الوقائع عرف أن هذا حال المنافقين قديماً وحديثاً، وقد حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من طاعتهم والقرب منهم، وحضهم على جهاد في مواضع من كتابه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:٧٣]، وفي قصة عمر رضي الله عنه وقتله المنافق الذي طلب التحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي دليل على قتل من أظهر الكفر والنفاق.

وكان كعب بن الأشرف هذا شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم والأذى له والإظهار لعداوته، فانتقض به عهده وحل به قتله، وروى مسلم في صحيحه عن عمرو قال سمعت جابراً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لـ كعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله، قال محمد بن مسلمة: يا رسول الله! أتحب أن أقتله؟ قال: نعم، قال: ائذن لي فلأقل، قال: قل)، فأتاه وقال له وذكر ما بينهم، وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد عنانا، فلما سمعه قال: وأيضاً والله لتملنه، قال: إنا قد اتبعناه الآن، ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره، قال: وقد أردت أن تسلفني سلفاً، قال: فما ترهنني؟ قال: ما تريد، قال: ترهنني نساءكم، قال: أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا؟! قال: ترهنوني أولادكم، قال: يسب ابن أحدنا فيقال: رهن في وسقين من تمر، ولكن نرهنك اللأمة -يعني: السلاح- قال: فنعم، وواعده أن يأتيه بـ الحارث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر، قال: فجاءوا ليلاً فدعوه فنزل إليهم، قال سفيان: قال غير عمرو: قالت له امرأته: إني اسمع صوتاً كأنه صوت دم، قال: إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه أبو نائلة، إن الكريم إذا دعي إلى طعنة ليلاً لأجاب، قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه، فإذا استمكنت منه فدونكم، قال: فلما نزل وهو متوشح قالوا: نجد منك ريح الطيب، قال: نعم تحتي فلانة أعطر نساء العرب، قال: فتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم، فشم، فتناول فشم، ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن من رأسه ثم قال: دونكم، قال: فقتلوه).

وفي قصة عمر رضي الله عنه بيان أن المنافق المغموس بالنفاق إذا أظهر نفاقه قتل، كما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك من أظهر نفاقه منهم تأليفاً للناس؛ فإنه قال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) فصلوات الله وسلامه عليه].

معنى قوله: [المغموس بالنفاق]: المتهم الذي يظن أنه منافق، وليس معنى المغموس الذي غاص فيه وعلم؛ فإن هذا أمره ظاهر، ولكن المتهم في النفاق إذا أظهر نفاقه وظهر وبان فإنه يقتل.