لما قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة:(لأعطين الراية غداًَ رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) باتوا يدوكون ليلتهم، وما ناموا، ومعنى (يدوكون) يخوضون ويتساءلون: من ترون سيعطاها؟ ومنعهم ذلك من النوم، فصاروا يشتغلون بهذا، وكل واحد يرجو أن يكون هو الذي تدفع إليه، فنسوا بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، ثم لما غدوا إليه في الصباح كان كل واحد عنده أمل أن تدفع إليه الراية حتى يكون هو الذي يحبه الله ورسوله، ولكن لم تحصل لواحدٍ من الحاضرين، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(أين علي بن أبي طالب؟) يسأل عنه، وهذا يدلنا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، وما عرف أن علي بن أبي طالب كان أرمد يشتكي عينيه، ولهذا سأل عنه: أين هو؟ واستبعد أن يكون ليس في الحاضرين، ولكن غاب لسبب، فأخبروه فقالوا: هو يشتكي عينيه.
فأرسل إليه، وفي صحيح مسلم أن الذي ذهب وجاء به هو سلمة بن الأكوع، جاء به يقوده وهو لا يرى شيئاً؛ لأنه أرمد العينين، فأحضره بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتفل في عينيه فزال الألم، وصار ينظر كأحسن ما يكون، وجاء عن علي رضي الله عنه أنه قال: بعد تفلة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أشتك عيني، ولم أشتك الصداع.
ما أصيب بمرض العينين ولا مرض الصداع لبركة تفلة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعائه، فتفل في عينيه ودعا له فبرأ وزال عنه المرض، وهذه علامة من علامات النبوة، وآية من آيات الله، وإلا فغير النبي صلى الله عليه وسلم لو تفل في عين إنسان أرمد لزاد مرضه، وكذلك كونه أخبر بأنه يفتح الله على يديه، وهذه بشارة وعلم آخر من أعلام النبوة.