للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التوكل وجمعه لخصال السبعين ألفاً

[السادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل].

ذلك لأنه قال: (وعلى ربهم يتوكلون)، فالخصال التي ذكرها أربع خصال، والذي جمع هذه الأربع هو التوكل، فالخصلة الأولى: كونهم لا يسترقون.

يعني: لا يطلبون الرقية.

وتبين لنا أن الرقية مستحبة في نفسها، أي: كون الإنسان يرقى نفسه، أو كونه يرقى غيره، أو كونه يُرقى بلا طلب منه، فهذا لا يدخل في ذلك، بل هذا جائز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرقي نفسه، وكان يرقي غيره، وجبريل عليه السلام رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثانية: كونهم لا يتطيرون.

والطيرة نوع من الشرك، وهي التشاؤم بأفعال الطيور أو بأصواتها، وكذلك بالحيوانات، ومن المعلوم أن الطيور والحيوانات وجميع المخلوقات لا تدبير لديها ولا تصريف في الكون، وليس عندها من الخير شيء، وليس عندها من دفع الشر شيء، وإنما تلك أوهام يلقيها الشيطان في نفس الإنسان، فإذا سمع شيئاً من ذلك فقد يقع في نفسه أمر فيثنيه عن مقصوده، فيكون في هذه الحال قد وقع في شيء من الشرك، وهؤلاء لا يلتفتون إلى ذلك، بل يمضون في كل ما أرادوا اعتماداً على الله، وعلماً منهم أن الطيور وغيرها لا تؤثر في شيء من الأشياء، وإنما المؤثر هو الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

ثم إن الممنوع من الطيرة -كما سيأتي- هو ما أمضى الإنسان أو رده، أما أن يقع في نفسه شيء ثم يعرض عنه ولا يلتفت إليه فهذا لا يضره، ولا يقال: إنه تطير.

وإنما الذي يضر كونه يحقق هذا الشيء الذي يقع في نفسه بأن يمنعه من المضي، فإذا سمع شيئاً يكرهه على حسب اعتقاده أو يجعله يقدم إذا سمع شيئاً أو رأى شيئاً يحبه ويريده فهذه هي الطيرة، أما إذا وقع في نفسه شيء ثم لم يثنه عن مراده أو لم يزد من عزيمته ومن مراده وإنما شيء عرض في نفسه فأعرض عنه فهذا لا يضره، ولهذا جاء في الحديث: (الطيرة ما أمضاك أو ردك)، فهذه الطيرة التي منع منها.

والخصلة الثالثة: كونهم أيضاً لا يكتوون كما سبق.

والخصلة الرابعة: أنهم على ربهم يتوكلون.

فلكونهم يعتمدون على الله في جميع أمورهم جعلهم لا يفعلون هذه الأمور الثلاثة، والتوكل معناه الاعتماد على من بيده كل شيء، وهو الله جل وعلا، فيفعل السبب ويعتمد على ربه في حصول مقصوده ومراده.