[رضا العبد بأقدار الله تعالى وعدم تسخطه]
قال الشارح رحمه الله: [قال: والرضا: هو أن يسلم العبد أمره إلى الله].
يعني: رضا المخلوق، كونه يرضى بالقضاء وبالقدر أن يسلم أمره لله، ولا يعترض ولا يتضجر، بل يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أصابنا شيء إلا بإذن ربنا، وله الحمد على ذلك، فيكون عبداً صحيحاً، فيسلم وينقاد، لا يعترض ولا يتضجر، ولا يتوجع، ولا ينافي هذا كونه يتعالج إذا كان مريضاً، أو كونه يصف المرض ويقول: أنا عندي كذا وكذا وأجد كذا وكذا لمن يكون عنده شيء من العلاج، فهذا لا ينافي كونه يسلم وينقاد لعدم الاعتراض، كما أنه لا ينافي التسليم كونه يئنّ في مرضه، وبعض العلماء يقول: الأنين شكاية، كما روي عن طاوس رحمه الله، ولهذا لما بلغ ذلك الإمام أحمد وهو في مرضه صار لا يئنّ حتى مات رحمه الله، ولكن كون المريض يجد في أنينه شيئاً من الراحة فلا بأس، وليس معناه أنه يشتكي أو يتوجع.
فالمقصود: التسليم والرضا، وهو أن يسلم وينقاد، وألا يكون قلبه متسخطاً أو متوجعاً من ربه، فإذا تعالج أو وصف مرضه فإنه لا يكون منافياً لذلك؛ لأن العلاج سبب من الأسباب التي وضعها رب العالمين، والأسباب أمر الله جل وعلا أن نبذلها كما جاء في الحديث: لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل نتداوى؟ قال: نعم.
تداووا عباد الله، فإن الله ما وضع داءً إلا ووضع له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله، إلا داءً واحداً وهو الهرم، وفي رواية: الموت)؛ لأن هذه الحياة لابد أن تنتهي.
قال الشارح رحمه الله: [ويحسن الظن به، ويرغب في ثوابه، وقد يجد لذلك راحة وانبساطاً، محبةً لله وثقة به، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح باليقين والرضا، وجعل الهم والحزن بالشك والسخط).
قوله: (ومن سخط): هو بكسر الخاء، قال أبو السعادات: السخط الكراهية للشيء وعدم الرضا به.
أي: من سخط على الله فيما دبره فله السخط من الله، وكفى بذلك عقوبة، وقد يستدل به على وجوب الرضا، وهو اختيار ابن عقيل، واختار القاضي عدم الوجوب، ورجحه شيخ الإسلام وابن القيم].
الإلزام بهذه المنزلة صعب، أي: كون الإنسان يرضى بالشيء الذي وقع له من المصائب؛ لأن الرضا معناه أن يغتبط بهذا الشيء ويفرح به، فهذا لا يستطيعه إلا الأفذاذ، ولكن الواجب هو الصبر وعدم الاعتراض، أما الرضا فإذا وصل إليه الإنسان فهو فضل عظيم، وإن لم يصل إليه فلا يكلف به.
قال الشارح رحمه الله: [قال شيخ الإسلام: ولم يجئ الأمر به كما جاء الأمر بالصبر، وإنما جاء ثناؤه على أصحابه.
قال: وأما ما يروى: (من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ رباً سواي)، فهذا خبر إسرائيلي لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام: وأعلى من ذلك -أي: من الرضا- أن يشكر الله على المصيبة؛ لما يرى من إنعام الله عليه بها.
انتهى، والله أعلم.