قال الشارح رحمه الله: [فبين تعالى في هذه الآيات وأمثالها: أن وقوع الشفاعة على هذا الوجه منتفٍ وممتنع، وأن اتخاذهم شفعاء شرك يتنزه الرب تعالى عنه، وقد قال تعالى:{فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانَاً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[الأحقاف:٢٨]].
معنى قوله:(فَلَوْلا نَصَرَهُمُ) يعني: هلَّا نصرهم لما جاءهم العذاب ووقع فيهم عذاب الله لماذا لم تنصرهم آلهتهم؟! وقوله:{بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ}[الأحقاف:٢٨] يعني: ذهبوا أصبحت دعوتهم ضلالاً، يعني: لا قيمة لها، وتبين أن الأمر كله بيد الله؛ ولكن هناك لا ينفع الإنسان إذا تبين له أنه قد ضل؛ لأنه لا يُقبل منه الاستعتاب ولا يفيده الندم، وليس بإمكانه أن يرجع مرةً أخرى إلى الدنيا أو إلى عمر جديد فيعمل غير الذي كان يعمل، وإنما يزداد عذاباً على عذاب، يعني: حسرات مع العذاب الذي يلاقيه.
قال الشارح رحمه الله: [فبين تعالى: أن دعواهم أنهم يشفعون لهم بتألههم: أن ذلك منهم إفك وافتراء.
وقوله تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعَاً}[الزمر:٤٤] أي: هو مالكها، فليس لمن تُطلب منه شيء منها، وإنما تُطلب ممن يملكها دون كل ما سواه؛ لأن ذلك عبادة وتأليه لا يصلح إلَّا لله، قال البيضاوي: لعله ردٌّ لما عسى أن يجيبوا به وهو: أن الشفعاء أشخاص مقربون].
يعني: يقدر أنهم يقولون: الشفعاء ذو جاه عند الله مقربون، والله ملَّكهم الشفاعة وإن كانت لله؛ ولكن الله جلَّ وعلا أعطاهم الشفاعة! والقرآن يرد هذا، يقول الله جلَّ وعلا:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعَاً}[الزمر:٤٤] وقد أخبر جلَّ وعلا أن كل طلب يُطلب من غير الله فهو ضلال، وأن ذلك سبب لمنع الشفاعة، ففي الواقع: هم يؤتَون من قِبل أنفسهم، فإنهم يأتون بالأسباب التي تمنع الشفاعة وهم يزعمون أنها شفاعة! والسبب في ذلك جهلهم أو عنادهم وتركهم ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.