للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه)]

قال الشارح رحمه الله: [فما لم تحصل منكم المتابعة فمحبتكم له غير حاصلة، ومحبته لكم منتفية، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤]، ذكر لهم أربع علامات: إحداها: أنهم أذلة على المؤمنين، قيل: معناه: أرقاء رحماء مشفقين عاطفين عليهم، فلما ضمن أذلة هذا المعنى عداه بأداة (على)، قال عطاء رحمه الله: للمؤمنين كالولد لوالده، وكالعبد لسيده، وعلى الكافرين كالأسد على فريسته: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩]].

قوله: (أشداء على الكافرين) ما ذكرها الشارح لظهورها ووضوحها، وتكلم على كونهم (أذلة على المؤمنين) يعني: يرحمونهم ويوالونهم ويحبونهم، (وأعزة على الكافرين) يعني: أنهم أشداء عليهم، وغلظاء عليهم، يبغضونهم ويكرهونهم لأنهم كفروا بالله جل وعلا، ويعادونهم أشد المعاداة ولو كانوا من أقربائهم في النسب، كما قال الله جل وعلا: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:٢٢].

قالوا: إن هذه الآية نزلت في بعض الصحابة مثل أبي عبيدة بن الجراح وغيره الذين قتلوا بعض أقربائهم يوم بدر، ومنهم من تبع أباه ليقتله لأنه كان مع الكافرين، فنزلت هذه الآية؛ ولهذا قال: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة:٢٢] يعني: أن الذي دعاهم إلى مقاتلة أقربائهم أنهم آمنوا بالله جل وعلا، وعادوا الكفار في الله جل وعلا.

قال الشارح: [العلامة الثالثة: الجهاد في سبيل الله بالنفس واليد والمال واللسان؛ وذلك تحقيق دعوى المحبة].

العلامة الرابعة: أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم، وهذه علامة صحة المحبة، فكل محب أخذه اللوم على محبوبه فليس بمحب على الحقيقة.

وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:٥٧]، فذكر المقامات الثلاثة: الحب وهو ابتغاء القرب إليه، والتوسل إليه بالأعمال الصالحة، والرجاء والخوف يدل على أن ابتغاء الوسيلة أمر زائد على رجاء الرحمة وخوف العذاب].

يعني: عمل عملاً زائداً وهو طلب المرضاة باتباع الأمر واجتناب النهي.