للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمر بتوحيد الله دين كل الأمم]

هذا حديث عظيم يجب أن يتأمل ثم يعمل به، ولا شك أنه خرج من مشكاة النبوة وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فيه من العبر: أن التوحيد دين الأنبياء كلهم، فالله جل وعلا أوحى إلى زكريا -وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل- بهذه الأمور الخمسة، وأمره أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وزكريا وعيسى عليهما السلام كلاهما كان في وقت واحد، وهما أبناء خالة، ومعلوم كثرة أنبياء بني إسرائيل؛ وقد يبعث فيهم في وقت واحد عدد منهم.

وقد علم عيسى عليه السلام أن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بهذه الكلمات وأنه تأخر قليلاً عن إبلاغها، فقال له عيسى: إما أن تبلغهن أو أبلغهن، فقال له: يا أخي! والله لو سبقتني-يعني: في إبلاغهن- أخشى أن يعذبني ربي جل وعلا عذاباً عظيماً، فجمع بني إسرائيل في المسجد الأقصى حتى لم يتسع لهم فجلسوا فوق الجدران، ثم أمرهم بهن، فقال: (الأولى: أن الله جل وعلا أمركم أن تعبدوه وحده لا شريك له)، وضرب لهم مثلاً في ذلك، فقال: مثل ذلك كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله، ثم أعطاه عملاً يعمل فيه وينتج، وقال: إذا أنتجت شيئاً فهذا مالي، فصار هذا العبد إذا أنتج شيئاً ذهب به إلى غير سيده، وهذا مثل المشرك، فالله خلق الناس ولم يشاركه في خلقهم أحد، ورزقهم وعافاهم وأنعم عليهم بسائر النعم، ثم كثير منهم يعبد غيره، فمثالهم مثل العبد الذي أساء المعاملة لسيده، اشتراه بخالص ماله، فصار يأخذ غلة عمله ويذهب بها إلى غير سيده، من الذي يرضى مثل هذا؟ لهذا قال: (أيكم يسره أن يكون عبده كذلك؟)، لا أحد يرضى هذا لنفسه فكيف يرضاه لربه جل وعلا؟! والمقصود: أن الخلق كلهم عبيد لله جل وعلا: فلا يسوغ للعبد أن يخضع لعبد مثله، وأن يصرف العبادة إلى عبد فقير محتاج مثله، فإن فعل ذلك فهو ضال في دينه وعقله.