للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الصحابي وبيان فضله]

الصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به مات على ذلك، وقد يكون الصحابي صغيراً، وقد يراه ولا يسمع منه، فما يحمل عنه العلم، ولكنه يحمل عن الصحابة.

والصحابة كلهم عدول بتعديل الله إياهم، فلا يجوز النظر في أحدهم هل هو ثقة أو غير ثقة؛ لأن الله رضيهم لصحبة نبيه، وأثنى عليهم في كتابه، فتعديل الله أولى وأحق من تعديل الخلق، وإنما يكون النظر فيمن عداهم، وهذا الحكم في الصحابة ينطبق عليهم سواءٌ تحمل أحدهم الحديث بنفسه أو تحمله عن غيره؛ لأنه لا يتحمل إلا عن الصحابة، أما لو قدر أن صحابياً أخذ عن تابعي فهذا لا بد من النظر فيه هل التابعي هذا ثقة أو غير ثقة، أما الصحابة فلا ينظر فيهم؛ لأنهم كلهم عدول بتعديل الله جل وعلا لهم، وإذا كان محمود بن لبيد قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن به فهو من الصحابة، ولكن إذا كان -كما قال بعض العلماء- لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فتكون أحاديثه بواسطة الصحابة قد سمعها من غيره، فإذا قال: قال الرسول كان قد أسقط الواسطة، ولا حاجة إليها؛ لأنه أخذ عمن هو عدل، ولا ينظر فيه، فيكون الحديث في ذلك صحيحاً لا مطعن فيه.

فالقول الصحيح في تعريف الصحابي عند العلماء أنه: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، وهذا القيد الأخير يخرج الذين ارتدوا إذا وجد ذلك، ولم يعلم أن أحداً من الصحابة ارتد إلا اثنين أو ثلاثة فقط خذلهم الله جل وعلا وماتوا كفاراً، أحدهم كان يكتب الوحي، فكان إذا جاء مثل (وكان الله عزيزاً حكيماً) يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أكتب (عزيزاً حكيماً) أو (سميعاً عليماً) أو (سميعاً بصيراً)؟ فيقول: اكتب ما تشاء فوقع في نفسه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدري، فصار يقول: أنا الذي أكتب ما أريد، والرسول لا يعلمني شيئاً.

فوقع في نفسه الغرور، وجاءه الشيطان وغره، فارتد وهرب إلى الكفار، فأدركه الموت فصار كلما دفنوه لفظته الأرض، حتى أصبح آية من آيات الله، كلما دفن أخرجته الأرض ولفظته، فترك على وجه الأرض تأكله الكلاب، وهذا واحد.

أما الثاني فهو ابن أبي السرح، وقد رجع وتاب، ولا أعلم أحداً غيرهما، أما قوله صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين: (إني أكون قائماً على الحوض أذود عنه رجالاً، فيأتي قوم أعرفهم، فإذا عرفتهم حال بيني وبينهم رجل، فأقول: إلى أين؟ فيقول: إلى النار والله.

فأقول: أليسوا بأصحابي؟! فيقول: إنك لا تعرف ما صنعوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم، فأقول: سحقاً سحقاً) فالمقصود أنه عرفهم من أمته، وليسوا من أصحابه، وقد عرفهم بآثار الوضوء، ولا يلزم أن يكونوا في جهنم خالدين، ولكنهم يحرمون من ورود الحوض ويدخلون في النار، ثم بعد ذلك يخرجون إذا لم يكن معهم شرك كغيرهم.

أما الصحابة فقال أبو زرعة رحمه الله -وكذلك ابن حزم -: إنهم في الجنة قطعاً، وهم أولى من يكونوا فيها؛ لأنهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم، وهم الذين نشروا الدين وبلغوه الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولهذا ما تجد منهم من مات في المدينة أو في بلده إلا النادر، ولو حسب الذين ماتوا في المدينة ما يتجاوزون مائة من الصحابة، هذا مع أن الصحابة كثير، قال أبو زرعة: كانوا مائة ألف الذين مات عنهم الرسول، وقال غيره: ثلاثمائة ألف الذين مات عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكلهم أين ماتوا؟ بعضهم في شرق الأرض، وبعضهم في غربها، وبعضهم في شمالها، كلهم خرجوا إلى الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، فماتوا في بلاد شاسعة جداً، يتعجب الإنسان كيف وصلوا إلى تلك البلاد وهم على أرجلهم وعلى خيولهم وعلى ركائبهم، وذلك لأن أحدهم يخرج ولا يريد أن يرجع، يخرجون إلى الجهاد في سبيل الله وهم يقولون: قد حملنا ربنا جل وعلا رسالة لا بد أن نبلغها خلقه أو نقضي دونها.

أي: نموت دونها.

هذا شأنهم، وهذا ما كانوا يقولونه دائماً رضوان الله عليهم، فلهذا حبهم إيمان وبغضهم كفر ونفاق.