للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم الاغترار بالكثرة]

[المسألة التاسعة: اعتباره بحال الأكثر؛ لقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم:٣٦]].

هذه مسألة ليست سهلة، لا يتساهل بها الإنسان، كونه يرى أكثر الناس على عمل من الأعمال فيقتدي بكثرة الناس، وهذا معروف الآن، فالإنسان يقول: الناس كلهم يفعلون هذا، فكيف لا أفعل شيئاً يفعله الناس؟! فأصبحت حجة، وهذه الحجة توارثها العالم كله من أوله إلى آخره، كما قالت الأمم لرسلها: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:٢٣]، وفرعون يقول لموسى: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} [طه:٥١] يعني: لماذا عملت الشيء الذي تنهانا أنت عنه، فهي أشركت فما بالها؟ فإذا قال له: إنهم ضالون قال: كيف الناس كلهم يضلون وتبقى أنت وحدك؟! ويصعب على الكثير من الناس اتباع الحق؛ لأن تابعه قليل، فهذا الذي يشير إليه ما ذكره الله جل وعلا عن الخليل: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم:٣٦]، فالناس ينظرون إلى الكثرة غالباً ويتبعونها، وما يميزون بين الأمر هذا والأمر هذا، كما هو فعل أهل الحق، ولهذا يقول العلماء: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين نهجه، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.

أي: لا يغرك كثرة الناس فتغتر بهم، وكذلك لا يغرك قلة من يعمل بالحق، اعمل الحق وأحبه واتبعه، وإن كان الذي معه قليل؛ فإن الله جل وعلا فرق بين الحق والباطل، فإذا عرف الإنسان الحق وجب عليه أن يتمسك به ولو كان وحده، ولو بقي وحده.