للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)]

قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) رواه أحمد وأبو داود].

ابن مسعود رضي الله عنه دخل على زوجته ومد يده إليها ووجدها ربطت بيدها خيط فقطعه، وقال: ما أغنى آل عبد الله عن الشرك، فقالت: تقول هذا وعيني لا تزال تقذف، فأختلف إلى اليهودي الفلاني فيرقى لي فيها فيذهب، يعني: القذف، قال: ذاك الشيطان يضع أصبعه في عينك، فإذا ذهبتِ إليه ورقى لك أزاله، يكفيك أن تقولي: أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، ثم ذكر الحديث وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك).

المقصود بالرقى التي فيها الاستعانة بغير الله -كما سبق- أو فيها ذكر الشياطين والجن، أو فيها مثلاً طلسمات لا تعرف، مثل الخطوط التي يخطها بعض الناس، أو فيها التصريح بالاستعانة بأسماء معينة من أسماء الشياطين، كما يفعله كثير ممن يأكل أموال الناس بالباطل، ويستعمل الشرك في ذلك.

أما التمائم فهنا أطلق، قال: التمائم مطلقاً، والتمائم كل ما علق ويقصد به الشفاء من مرض وقع، أو يقصد به منع ما يتوقع من عين أو ألم أو غير ذلك، كل ذلك تميمة.

أما التولة فهي: نوع من أنواع السحر، يسميه النساء محبب، ويزعمن أنه إذا اتخذ حبب الزوج إليها، أو يحببها إلى الزوج، والسحر لا ينفك عن الشرك، ويكون بواسطة الشياطين، فأخبر أن هذه الأمور الثلاثة شرك، فيكون هذا إما منافياً للتوحيد أو يكون قادحاً فيه ومنقصاً له، بحسب ما يقوم في قلب الإنسان وفعله.

وسيأتي التفصيل في الرقى، وأن السلف اختلفوا فيه، وقد سبق في الباب الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب وهم من السبعين ألفاً، أخبر أنهم: هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون، فجعل الاسترقاء -الذي هو طلب الرقية من الغير- من موانع السبق إلى الجنة بغير حساب، ولكن هذا لا يدل على أنه إذا قام بالإنسان ذلك، وسعى له أنه يكون مشركاً، أو يكون ممنوعاً من دخول الجنة، وإنما يدل على أنه لا يدخل الجنة بغير حساب، وقد قيل: إن السبب في ذلك تعلق قلبه بغير الله في كونه طلب من غير الله جل وعلا -من المخلوقين- أن يرقيه، بخلاف ما إذا رقى نفسه أو رقي له بغير أن يطلب، فإنه ليس ممنوعاً بالشروط السابقة للرقية.

وقد تكون الرقية مستحبة، ويؤجر عليها الإنسان، إذا رقى نفسه موقناً ومستعيناً بالله، بأسمائه وبصفاته وبآياته، ومستعيذاً بذلك، وسيأتي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاستعاذة بكلمات الله التامات، وقال: (من نزل منزلاً وقال: أعوذ بكلمات الله التامة لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك) وكلمات الله يقصد بها: الكلمات الشرعية التي يأمر بها وينهى، وهي كلامه الذي في القرآن، ويقصد بها: كلماته الكونية التي تكون بها الأشياء، وهي التامة التي لا يجاوزها بر ولا فاجر، بخلاف الشرعية، فإن أكثر الخلق يجاوزونها يعني: يعصون ما أمرت به، ويخالفون مقتضاها، أما الكونية فلا أحد يجاوزها.

ويدل هذا على جواز الاستعاذة بكلام الله، فهو من صفات الله جل وعلا.