قال الشارح رحمه الله: [وقال تعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[الزمر:٣٦]، وهذا هو الواقع من عباد القبور ونحوها من الأوثان، يخافونها ويخوفون بها أهل التوحيد إذا أنكروا عبادتها، وأمروا بإخلاص العبادة لله، وهذا ينافي التوحيد.
الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه خوفاً من بعض الناس، فهذا محرم، وهو نوع من الشرك بالله المنافي لكمال التوحيد].
أي: المنافي لكمال التوحيد الواجب؛ لأن كمال الإيمان نوعان: كمال واجب، وكمال مستحب.
فالكمال المستحب قد لا يصل إليه أكثر الناس، ولكن الواجب يتعين على كل فرد أن يفعله، وهذا من الكمال الواجب، وإذا فقد الكمال الواجب صار الإنسان من أهل الكبائر، من أصحاب الكبائر المعرضين للعذاب.
قال الشارح: [وهذا هو سبب نزول هذه الآية، كما قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٧٣ - ١٧٥]، وفي الحديث:(إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذ رأيت المنكر ألا تغيره؟ فيقول: رب خشيت الناس، فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى).
الثالث: الخوف الطبيعي: وهو الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك، فهذا لا يذم، كما قال تعالى في قصة موسى عليه السلام:{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[القصص:٢١].
ومعنى قوله:(إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه)، أي: يخوفكم أولياءه، (فلا تخافوهم وخافون)، وهذا نهى من الله تعالى للمؤمنين أن يخافوا غيره، وأمر لهم أن يقصروا خوفهم على الله، فلا يخافون إلا إياه، وهذا هو الإخلاص الذي أمر به عباده ورضيه منهم].
يعني: يخوفكم بأوليائه، وأولياؤه هم الكفار والفجار والعصاة، ومعنى ذلك: أنه يجعل لأوليائه في صدوركم مقاماً، ويعظمهم ويجلهم في نفوسكم، هكذا يوسوس الشيطان في الصدور والواقع خلاف ذلك.
والواجب على الإنسان ألا يخاف إلا من ربه جل وعلا، وإذا خاف الله ولم يخف الناس كفاه الله جل وعلا الناس كلهم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(واعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك بشيء، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك بشيء).