للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الند]

قال الشارح رحمه الله: [قال ابن القيم رحمه الله: الند الشبيه، يقال: فلان ند فلان ونديده أي: مثله وشبيهه انتهى].

المقصود شبيهه بالفعل أو شبيهه بالحق الذي جعل له، أو شبيهه بالقصد الذي قصد إليه، أما أن أحداً يقول: إن المخلوق شبيه لله جل وعلا فهذا لا يقوله مؤمن، لا أحد يقول ذلك، فالمخلوق لا يكون نداً لله، والكفار المشركون الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقولون: إن الأشجار والأحجار والمقبورين والملائكة والجن والأنبياء إن أحداً منهم شبيه لله، ما كانوا يقولون هذا أبداً، ولكن كانوا يقولون: هؤلاء وسائطنا إلى الله، ويسمونها آلهة، بمعنى أنها تقبل الوساطة وتشفع، فهم يتألهونها من هذا المعنى، ولهذا يقول الله جل وعلا عنهم: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم:٢٣]، ومعنى هذا أنها ليس لها شيء من معنى هذا الاسم، فتسميتها آلهة كذب وضعوه على غير موضعه؛ لأن الإله هو الذي يملك ويخلق ويرزق، يملك للمتأله النفع والضر، أما هؤلاء فليس لهم من ذلك شيء، وكذلك قوله جل وعلا عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣] يعني: ما نقصد عبادتهم لأنهم يستحقون العبادة، أو لأنهم آلهة يعبدون، أو لأنهم شركاء مع الله، لا.

بل كما يقول كثير ممن يتوسل بالقبور اليوم: نجعلهم وسيلة لنا، نتوسل بهم، هذا معنى كلام أهل الجاهلية: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) يعني: يشفعوا لنا.

هذا معناه وحقيقته، والشرك الذي وقع في بني آدم أصله طلب الشفاعة فقط، لا أحد أبداً من بني آدم اعتقد أن مخلوقاً يساوي الله جل وعلا ويشابهه، ولا يعقل هذا، وإنما لما صرفوا ما هو من حق الله إلى هذه المخلوقات صاروا بذلك مؤلهين لها عابدين لها جاعلينها أنداداً لله في هذا الفعل فقط، هم الذين اعتقدوا هذا، وإلا فهي في الواقع ليس لها من هذا المعنى شيء، وهو كذب وزور.

فمعنى قول ابن القيم أن يجعله شبيهاً ونظيراً لله في عقيدته أن يجعل له ما لله، هذا هو المقصود، وإلا هو في نفسه لا يعتقد أن أحداً من الخلق يكون شبيهاً لله جل وعلا وتقدس.

فمعنى قوله جل وعلا: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢] يعني: في الدعاء، وفي الشفاعة، وفي التشفع ولهذا قال قبل ذلك: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١] يعني: إنكم تعترفون أنه ليس مع الله خالق خلقكم، ولا معه خالق خلق من قبلكم، فكيف إذاً تدعون معه غيره؟ فالدعاء يجب أن يكون لمن يتصرف التصرف الكامل بالإيجاد وبالنفع، وكذلك بدفع الضر، أما إذا كان الذي يقصد بالدعاء ما يستطيع أن يفعل ذلك فهذا ضلال.

ثم قال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:٢٢] يعني: هل أحد مع الله تعالى فعل ذلك؟ هم يعترفون تماماً أن هذا مما انفرد الله جل وعلا به وحده، ثم قال: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة:٢٢] يعني: إنكم تعترفون أن هذا فعل الله وحده، وليس معه من يفعل ذلك.

ثم بعد هذا يقول: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢] يعني: أنتم تعلمون أنه هو الفاعل لما ذكر وحده، ولا مشارك له في ذلك، وإذا كان ليس له مشارك في ذلك فكيف تدعون غيره؟ هذا المدعو فقير مثلكم، لا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، فهو مثلكم، فلماذا تتجهون إليه بالدعاء وتزعمون أنه يشفع لكم؟! فهذه الأنداد قصدت في الدعاء وفي الشفاعة، وكونهم يدعونهم ليشفعوا لهم؛ ولهذا يقول العلماء في قوله جل وعلا عن الكفار لما كانوا في جهنم يخاطبون من كانوا يدعونهم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٩٧ - ٩٨] يقولون: ما سووهم برب العالمين في الخلق والإيجاد والفعل والصفات، وإنما سووهم برب العالمين في المحبة والدعاء فقط، وهذا هو التنديد الذي وقع للمشركين قديماً وحديثاً.

وفي الآية الأخرى يقول جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:١٦٥]، فأخبر أن الأنداد في الحب فقط، (يحبونهم كحب الله) ليس في الخلق والإيجاد والتصرف، أما هذا فما قاله أحد من الخلق، وكثير من الناس اليوم يعتقد أن المشركين كانوا يعتقدون أن الحجارة تخلق وترزق وتحيي وتميت وكذلك الشجر، هذا ما اعتقده عاقل أبداً، والمشركون القدامى أعقل من هؤلاء بكثير، ولهذا كانوا إذا وقعوا في الشدائد ووقع لهم اضطرار أخلصوا الدعاء لله جل وعلا وتركوا كل ما يقصدونه من دون الله، كما قال الله جل وعلا: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:٦٥]، يخلصون له الدعوة وحده، أما هؤلاء ففي الواقع أنهم إذا وقعوا في الكربات أخلصوا الدعاء لغير الله، فتجد أحدهم يبكي ويضرع ويخشع عند القبر، يبكي بكاءً ما يكون في المسجد بين يدي الله؛ لأنه يخاف صاحب القبر أكثر من خوفه من الله! فهؤلاء ما فعل مثل فعلهم أحد من المشركين كـ أبي جهل وإخوانه.

وعلى كل حال فالتشبيه والتنديد يجب أن يفهم أنه في الدعاء وفي الطلب وفي المحبة، لا في كونهم شبهوا المخلوق بالله جل وعلا وجعلوه شبيهاً له في الإيجاد والإعدام والتصرف، أو في الصفة أو الذات، هذا ما قاله أحد من الخلق.