للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم النشرة]

قال المصنف رحمه الله: [باب ما جاء في النشرة].

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (باب ما جاء في النشرة) بضم النون كما في القاموس.

قال أبو السعادات: النشرة: ضرب من العلاج والرقية، يعالج به من يُظن أن به مساً من الجن، وسميت: نشرةً؛ لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أي: يكشف ويزال].

قوله رحمه الله: (باب ما جاء في النشرة) قصده بهذا حل السحر عن المسحور، والسحر سبق أنه من الموبقات التي توبق صاحبها في النار أو في الإثم الذي يئول إلى النار.

وسبق أنه يكون كفراً، وأن السحر لا يجتمع مع الإيمان؛ لأن السحر يكون بواسطة الشياطين، والساحر لابد أن يكون مشركاً بطاعته للشيطان واتباعه وعبادته؛ ولهذا ذكر الله جل وعلا عن السحرة أنهم يختارون الحياة الدنيا على الآخرة، وأنه ليس لهم في الآخرة من خلاق، كما قال جل وعلا: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢].

قوله: (فَلا تَكْفُرْ): يدل على أن فعل السحر كفر، ثم قال جل وعلا: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٠٢] ومعنى (اشتراه) يعني: عمله، وقوله: (علموا) أي: علم أهل الكتاب اليهود أن الذي يعمل السحر ليس له في الآخرة من خلاق، والذي ليس له في الآخرة من خلاق يكون كافراً وخاسراً ومعذباً عذاباً لا ينقطع، وعلمهم هذا علموه من كتاب الله الذي أنزله الله جل وعلا على موسى عليه السلام.

وجاءت كذلك آيات آخر غير هذه، ونصوص أخرى تدل على أن الساحر يكون كافراً.

ولهذا جاء حكمه في الشرع أنه إذا كان مسلماً قبل ذلك فإنه يكون مرتداً، والمرتد لا يترك على ردته، بل يجب أن يقتل إلا أن يعود.

وإذا كان غير مسلم فإنه يقتل حتى يدفع شره وأذاه؛ لأنه مفسد من المفسدين في الأرض، يفسد الأبدان ويفسد الأموال، ويفسد الأخلاق، وفي حده الشرعي خير كثير وحكمة عظيمة.

لما ذكر المؤلف هذا أراد أن يبين حكم حل السحر عن المسحور: هل هو جائز أو ممنوع؟ إن كان بسحر مثله فإنه لا يجوز، أما إن كان بعلاجات طبيعية وأدوية ورقى فإنه لا بأس به.

فقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحره يهودي، فدعا ربه فشفاه الله جل وعلا بعد ما بين له أين موضع السحر.

في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سُحِر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله، ثم إنه دعا ودعا، فبينما هو نائم نزل عليه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما به؟ قال: به طب -يعني: سحر- قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم في مشط ومشاطة في طلعه نخلة ذكر في بئر ذروان، فلما استيقظ صلوات وسلامه عليه ذهب إلى تلك البئر -تقول عائشة - فقال: إني رأيت ماءها كنقيع الحناء، ونخلها كرءوس الشياطين، فأمر بها فدفنت، فقلت: ألا استخرجتها؟ فقال: أما أنا فقد شفاني الله جل وعلا، وكرهت أن أفتح على الناس باب شر)، فأنزل الله جل وعلا عليه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:١ - ٥] النفاثات هن: السواحر، والعقد: الخيوط التي يعقدنها عندما يردن انعقاد أمر مما يقصدنه من أمور السحر سواءً طلب ذلك منهن أو فعلن ذلك ابتداءً.

وقوله سبحانه: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:٢] يدخل فيه السحر والسواحر.

ونزل أيضاً قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:١ - ٦] وذلك أن السحر من الشياطين فيستعاذ منهم، والشيطان إذا استعيذ منه خنس وبطل عمله إذا كان المستعيذ صادقاً موقناً مؤمناً بما قاله الله جل وعلا.

وكذلك الأدعية التي تكون بأسماء الله وصفاته فإنها أيضاً من أنجع ما يكون وأنفعه إذا كان الداعي عنده إيمان وصدق وإخلاص والتجاء إلى الله جل وعلا، فإن كل شيء بيده، فإذا التجأ إليه حله وأزاله، وكذلك العلاجات الطبيعية التي يعالج بها فإنه لا بأس بها.