هذا الشرك الذي وقع فيه كثير من المسلمين ليس له أصل لا في الشرع، ولا في قول السلف الذين يقتدى بهم من أهل العلم والمعرفة، ولا في قول أحد العلماء المتأخرين، وإنما اغتر بعض المتأخرين بحكايات ودعاوى لا أصل لها، وادعوا أن التوسل بالميت جائز، واستدلوا بشبه لا تدل على ذلك.
مثل: كون الرسول صلى الله عليه وسلم طلبت منه الشفاعة في حياته، كما في قصة الأعمى الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يرد علي بصري، فقال:(أوتصبر، وهو خير لك؟ قال: بل ادع، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويسأل ويقول في سؤاله: اللهم إني أسألك بنبيك نبي الرحمة أن ترد علي بصري) هكذا جاء في بعض الروايات، فتمسكوا بهذه اللفظة على أنه سؤال بذات النبي صلى الله عليه وسلم، والواقع أنه سؤال بدعائه؛ لأنه أمره أن يدعو وهو دعا له، ولهذا قال في آخره:(اللهم شفعه فيّ، وشفعني فيه).
وكذلك قصة عمر لما استسقى بالناس وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك، وإننا نتوسل إليك بعم نبيك.
فقالوا: هذا يدل على الطلب بالأشخاص، فيطلب بهم من الله، وهذا في الواقع تضليل، ولو كان كما يقولون لما عدل عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى عمه؛ لأنه لا فرق بين كونه حياً أو ميتاً إذا كان التوسل بذاته، وإنما هذا يدل على أن التوسل بالدعاء وبالشفاعة، ولهذا طلب من العباس الدعاء والشفاعة فقال: قم فادع يا عباس! فصار يدعو، وهم يؤمنون على دعائه، هذا هو توسلهم الذي توسلوا به، يعني أنهم قدموه إماماً لهم يدعو ويؤمنون على دعائه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا يقول الفقهاء في كتب الفقه في الاستسقاء: ويستحب أن يتوسل إلى الله بالدعاء كما توسل عمر رضي الله عنه بـ العباس، وتوسل معاوية بـ أبي يزيد الأسود بن أبي يزيد الجرمي؛ لأن مقصدهم هو أن يقدموا الدعاء، فيدعون ثم يؤمن الحاضرون على دعائهم، فهو توسل بدعائهم وليس بذواتهم.
أما هؤلاء ففهموا عكس ما أراد أولئك، وهذا فهم خاطئ يجب أن يرد عليهم، ولا يجوز أن يغتر به.
قال الشارح:[ومنه تعلم مطابقة الحديث للترجمة والله أعلم قوله: والمتخذين عليها المساجد تقدم شرحه في الباب قبله].
ليس معنى ذلك أنه يشترط أن تكون مساجد مبنية كالمساجد التي تعتاد للصلوات، وإنما يتخذونها مكاناً لسجودهم ولو فرضاً، وكل مكان يسجد فيه فهو مسجد كما قال صلى الله عليه وسلم:(جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) الأرض كلها مسجد، يعني: كل مكان صحت الصلاة فيه فهو مسجد، ولا يجوز أن يكون القبر محلاً للعبادة من الصلاة وغيرها كما سيأتي أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تجعل البيوت قبوراً، يعني: أن تجعل مشابهة للقبور؛ لأن القبور مهجورة لا يتعبد فيها.