للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم من قدّم محبة الدنيا على محابِّ الله ورسوله

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر أو ولدوا على الإسلام، والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله، فهم مسلمون، ومعهم إيمان مجمل، لكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم يحصل شيئاً فشيئاً، إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يصلون إلى اليقين، ولا إلى الجهاد، ولو شككوا لشكوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، إذ ليس عندهم من علم اليقين ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ورسوله ما يقدمونه على الأهل والمال، فهؤلاء إن عوفوا من المحنة، وماتوا، دخلوا الجنة، وإن ابتلوا بمن يدخل عليهم شبهات توجب ريبهم، فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب وإلا صاروا مرتابين، وانتقلوا إلى نوع من النفاق.

انتهى].

في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله وولده والناس أجمعين)، قوله: (لا يؤمن) نفي، فما هو هذا الإيمان الذي لا يحصل لمن لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من أهله وولده ووالده وماله ونفسه والناس أجمعين؟ هل الإيمان المنفي شيء مستحب بحيث لو تركه الإنسان يكون غير تارك للواجب أو أنه شيء واجب إذا لم يكن الإنسان بهذه المثابة فهو من أهل الكبائر؟ الصواب أن من لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده وأهله ونفسه والناس أجمعين فإنه من أهل الكبائر، ولكنه غير خارج من الدين الإسلامي، عنده إسلام، وكل مسلم يجب أن يكون عنده إيمان لابد؛ لأن الإيمان محله القلب، فيعلم أن الله جل وعلا هو إلهه وربه، ويعلم أنه أرسل رسولاً، وأنه يجب أن يطاع، ويعلم أن وعد الله حق وأنه سيبعثه بعد موته ويجازيه، لابد أن يكون عنده هذا الإيمان.

أما الإسلام فهو الطاعة والانقياد، أن يطيع وينقاد ويستسلم، ولا يكون عنده معارضة، يعني: ما يعارض أوامر الله وأوامر رسوله، إذا أمره الله جل وعلا بالصلاة صلى، وإذا أمره بالصيام صام، وإذا أمره بالحج حج، وإذا أمره بالصدقة تصدق.

أما إذا امتنع من الأوامر فهو ليس بمسلم، وإن زعم أنه مسلم في نفسه؛ لأن الإسلام معناه فعل الأوامر والاستسلام والانقياد بالطاعة، أما إذا لم يطع فهو لم يسلم، فالإسلام هو الانقياد وعدم المعارضة، أن ينقاد للأمر ولا يعارض، أما إذا حصلت المعارضة وعدم الانقياد فليس بمسلم.

ولهذا فسره الرسول صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن هذا الإيمان لابد منه، يعني: المسلم لابد أن يشهد أن لا إله إلا الله، فهذا الإيمان، ولابد أن يكون عنده إيمان أولاً، ثم إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج، فإذا لم يفعل الإنسان هذه الأمور لا يكون مسلماً أصلاً، وإذا مات فهو من أهل النار.

وإذا فعل هذه الأمور، فلابد أن يتقدم فعل هذه الأمور إيمان، وهو المعبر عنه بشهادة أن لا إله إلا الله، فإذا لم يحصل على ما أوجبه الله عليه من محبته جل وعلا ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يصبح مسلماً، ولكنه متعرض لوعيد الله جل وعلا، ويكون من أهل الكبائر.

يكون أمره إلى الله: إن شاء عذبه على تركه هذا الواجب، وإن شاء عفا عنه، يعني: أنه إذا مات على هذه الحالة يموت وقد ترك ما أوجبه الله عليه من كونه يجب عليه أن يقدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبة أولاده ووالديه وماله ونفسه، وإذا ما كان بهذه المثابة ومات وكان يؤدي الواجبات فقط، عنده إيمان ولكنه ما يقدم محبة الرسول على هذه الأشياء، فإنه يكون من أهل الكبائر الذين يستحقون العقاب والعذاب، فإن عفا الله عنه وتجاوز فهو فضله، وإن عاقبه فهو يستحق هذا العقاب، ولكن بعد العقاب والعذاب الذي يستحقه يكون مئاله إلى الجنة، وأكثر الناس على هذا الوصف، وهذه الحالة، حيث إنه يكون ولده أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمال أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومتى يعرف من هذه صفته؟ هذا أمر واضح يعرف بالنظر إلى أفعاله، فإن كان يحرص على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، ولو كان في هذا الطريق شيء من تعب بدنه أو ذهاب شيء من مصالحه؛ فهذا هو الذي يقدم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة الدنيا ومن فيها.

هذا بالنسبة إلى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف بمحبة الله؟ محبة الله محبة عبودية لابد أن تتضمن مع الحب الذل والخضوع والتعظيم.