للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طاعة العلماء والعباد في المعصية عبادة لهم]

قال الشارح: [وفي الحديث دليل على أن طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم من دون الله ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لقوله تعالى في آخر الآية: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١]].

ليس هذا خاصاً بالرهبان والأحبار، وسبق أن الأحبار هم العلماء، والرهبان هم العباد، ولكن هذا عام مطلق، إلا أنه في التحليل والتحريم، فإذا أطيع المخلوق في كونه أحل حراماً أو حرم حلالاً واتبع في هذا فهذه عبادة له، سواء كان عالماً أو غير عالم، فهو مطلق قيده بالعلم؛ لأن هذا هو الغالب؛ ولأن الناس لا يعتمدون على جاهل في التحليل والتحريم، إنما العلماء هم الذين يعتمد على أقوالهم ويستفتون، ولهذا ذكروا في ذلك وإلا فالمسألة عامة شاملة، ولهذا جاء في الحديث أنه: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، (إنما الطاعة بالمعروف).

قال الشارح: [ويظهر ذلك قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:١٢١]].

أي: أطعتموتهم في المجادلة التي يجادلون فيها، وجاء في سبب ذلك أن المشركين قالوا للمؤمنين: كيف تأكلون مما تذبحون أنتم ولا تأكلون مما يذبحه الله؟! أي: الميتة.

فأخبر الله جل وعلا أن هذا من وحي الشيطان وأنه يوحيه إلى أوليائه المشركين ليجادلوا المؤمنين الذين آمنوا بالله، ثم قال: (وإن أطعتموهم) أي: في ذلك (إنكم لمشركون) لأن الواجب اتباع ما حكم الله جل وعلا به وما قاله.

قوله: [وهذا قد وقع فيه كثير من الناس مع من قلدوهم لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالف المقلَّد، وهو من هذا الشرك، ومنهم من يغلو في ذلك ويعتقد أن الأخذ بالدليل -والحالة هذه- يكره أو يحرم فعظمت الفتنة، ويقول: هم أعلم منا بالأدلة ولا يأخذ بالدليل إلا المجتهد، وربما تفوهوا بذم من يعمل بالدليل! ولا ريب أن هذا من غربة الإسلام كما قال شيخنا رحمه الله في المسائل.

فتغيرت الأحوال وآلت إلى هذه الغاية، فصار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال ويسمونها ولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقة، ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من ليس من الصالحين وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين.

وأما طاعة الأمراء ومتابعتهم فيما يخالف ما شرع الله ورسوله فقد عمت بها البلوى قديماً وحديثاً في أكثر الولاة بعد الخلفاء الراشدين وهلم جرا.

وقد قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:٥٠].

وعن زياد بن حدير قال: قال لي عمر رضي الله عنه: (هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وحكم الأئمة المضلين) رواه الدارمي جعلنا الله وإياكم من الذين يهدون بالحق وبه يعدلون].