للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ابتلاء الله تعالى لعباده]

هذا الابتلاء ليس المقصود به ذواتهم، المقصود أن يعتبر به غيرهم، أما هم فواحد منهم نجا، والآخران هلكا، وهذا فيه دليل على أن الغالب على الإنسان الكفر؛ لأن الثلاثة شكر منهم واحد، واثنان كفرا، مع قرب العهد، والتذكير بالحالة التي سبقت لهما، وكونهما يعلمان ذلك، فقال لهم: العهد قريب، والمال جاءكم بنعمة الله، وكذلك ما منّ الله جل وعلا به من إزالة المرض وإنعامه بالعافية عليكم، ومع ذلك جحدا هذا، وهما يعلمانه حقيقةً، فهذا يدلنا على أن الغالب على الإنسان هو الكفر، وهذا ظاهر في الناس، فالغالب عليهم الكفر، فيجب على العبد أن يحذر أن يقع في شيء من ذلك، فقد يكون الإنسان مبتلىً بالمال، أو مبتلىً بالجاه، حتى الجاه قد يبتلى به العبد، يكون له جاه عند الناس فيكون له بلوى: هل يستعمل ذلك في طاعة الله أو يغتر بنفسه ويقول: أنا فلان بن فلان، وأنا الذي فيه كذا وكذا؟ فيهلك، فالناس كلهم سواء، ولكن يتميزون بطاعة الله جل وعلا، ومن كان لله أطوع فهو أحب إلى الله جل وعلا {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣]، والابتلاء والاختبار لابد أن يقع {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:٢]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:٢١٤]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:١٤٢]، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:٣١]، وآيات كثيرة يخبر الله جل وعلا فيها أنه لابد من البلوى، والبلوى قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة، ولكن يكفي بها أن يتبين هل الإنسان شاكر أم كافر، والله جل وعلا كلما أعطى الإنسان نعمة فهي من باب الاختبار؛ ولهذا كان السلف يحذرون هذه الأمور كثيراً، فيقول أحدهم: إذا رأيت الإنسان مقيماً على معصية، ونعم الله عليه متوالية من صحة ومن مال وغير ذلك فإنه يمكر به؛ لأن العادة أن الإنسان إذا كان في النعمة ينسى، ويتمادى فيها، ويفرح بها، ثم يأتيه الأمر بغتة، وهناك لا ينفعه الندم.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قوله: وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن ثلاثة) الحديث أخرجاه أي: البخاري ومسلم.

و (الناقة العشراء) بضم العين وفتح الشين وبالمد: هي الحامل.

قوله: (أنتج) وفي رواية: (فنتج) معناه: تولى إنتاجها، والناتج للناقة كالقابلة للمرأة.

قوله: (ولّد هذا) بتشديد اللام، أي: تولى ولادتها، وهو بمعنى: أنتج في الناقة، فالمولد والناتج والقابلة بمعنى واحد، لكن هذا للحيوان وذلك لغيره.

قوله: (انقطعت بي الحبال) بالحاء المهملة والباء الموحدة، أي: الأسباب.

قوله: (لا أجهدك) معناه: لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أو تطلبه من مالي، ذكره النووي.

وهذا حديث عظيم، وفيه معتبر، فإن الأولين جحدا نعمة الله، فما أقرا لله بنعمة، ولا نسبا النعمة إلى المنعم بها، وما أديا حق الله، فحل عليهما السخط.

وأما الأعمى فاعترف بنعمة الله ونسبها إلى من أنعم عليه بها، وأدى حق الله فيها، فاستحق الرضا من الله بقيامه بشكر النعمة لما أتى بأركان الشكر الثلاثة التي لا يقوم الشكر إلا بها وهي: الإقرار بالنعمة، ونسبتها إلى المنعم، وبذلها فيما يحب].