قال الشارح رحمه الله تعالى:[وهذا كثير في كلام الصحابة والتابعين والأئمة، أثبتوا ما أثبته الله في كتابه على لسان رسوله على الحقيقة على ما يليق بجلال الله وعظمته، ونفوا عنه مشابهة المخلوقين، ولم يمثلوا ولم يكيفوا كما ذكرنا ذلك عنهم في هذا الباب.
وقال الحافظ الذهبي: وأول وقت سمعت مقالة من أنكر أن الله فوق عرشه هو الجعد بن درهم، وكذلك أنكر جميع الصفات، وقتله خالد بن عبد الله القسري، وقصته مشهورة، فأخذ هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان إمام الجهمية].
الجعد بن درهم كان في آخر دولة بني أمية، وهو معروف أنه ليس من المسلمين، ومتهم بأنه يهودي؛ لأنه تتلمذ على اليهود فصار يريد هدم عقيدة المسلمين، ومعلوم أن أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم ما استطاعوا أن يقوموا في وجه الإسلام بالقوة، فلما أعجزهم هذا صاروا يدبرون الحيل، ويدبرون الأفكار في تمزيق المسلمين وإضعاف قوتهم، وقد علموا أن قوتهم في عقيدتهم، فقالوا: لابد أن نبدأ في إضعاف العقيدة وإفسادها، فصاروا يؤسسون المؤسسات، ويتخيرون الأشخاص الذين فيهم جرأة وفيهم قوة، وعندهم حجج يدسونها بين المسلمين، وهذا الرجل كان من هذا النوع، وهم كثر، ومن قرأ التاريخ وأمعن نظراً في ذلك عرف يقيناً أن هذا هو الواقع.
فصار أول الأمر ينكر أشياء عند بعض الناس، فيقول: أيجوز أن نعتقد أن الله يحب؟ يقول: المحبة تقتضي الميل والموافقة، فالله ليس كمثله شيء.
وهكذا إلى أن تجرأ فقال: إنه لا يجوز أن يتكلم الله، ولا يجوز أن يتخذ خليلاً، فلما قالوا له: هذا خلاف القرآن قال: وإن كان فنحن نقول بالعقل، فالقرآن يمكن أنه ما جاء بالصواب.
فرفع أمره إلى أحد أمراء بني أمية، وهو خالد بن عبد الله القسري، فأخذه مقيداً، وكان الوقت يوم عيد أضحى، فكان هو الذي يتولى الصلاة، فصلى بالناس ثم خطب خطبة العيد، ثم قال في آخر الخطبة: أيها المسلمون! ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، فتعالى الله عن قول الجعد بن درهم علواً كبيراً ثم ذبحه أضحية.