للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز السؤال بوجه الله كل ما يقرب إلى الجنة]

قال الشارح رحمه الله تعالى [قوله: (باب: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة).

ذكر فيه حديث جابر -رواه أبو داود عن جابر رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة).

وهنا

السؤال

وهو أنه قد ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الطائف حين كذبه أهل الطائف ومن في الطائف من أهل مكة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء المأثور: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ أإلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي)، وفي آخره: (أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل علي غضبك أو ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله).

والحديث المروي في الأذكار: (اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد -وفي آخره- أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض)].

الحديث في منصرف الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف ليس صحيحاً، ولكن بعض العلماء حسنه، وهو من رواية محمد بن إسحاق، وقد ذكره في السيرة منقطعاً، وجاء في مسند الإمام أحمد أيضاً، ولكنه من رواية محمد بن إسحاق، ومحمد بن إسحاق إذا عنعن فيقولون: إنه ضعيف.

قال الشارح رحمه الله: [وفي حديث آخر: (أعوذ بوجه الله الكريم، وباسم الله العظيم، وبكلماته التامة من شر السامة واللامة، ومن شر ما خلقت أي رب! ومن شر هذا اليوم، ومن شر ما بعده، ومن شر الدنيا والآخرة)، وأمثال ذلك في الأحاديث المرفوعة بالأسانيد الصحيحة أو الحسان.

ف

الجواب

أن ما ورد من ذلك فهو في سؤال ما يقرب إلى الجنة، أو ما يمنعه من الأعمال التي تمنعه من الجنة، فيكون قد سأل بوجه الله وبنور وجهه ما يقرب إلى الجنة كما في الحديث الصحيح: (اللهم إني أسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار، وما يقرب إليها من قول وعمل)، بخلاف ما يختص بالدنيا كسؤال المال والرزق، والسعة في المعيشة رغبة في الدنيا، مع قطع النظر عن كونه أراد بذلك ما يعينه على عمل الآخرة، فلا ريب أن الحديث يدل على المنع من أن يسأل حوائج دنياه بوجه الله، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث كما لا يخفى، والله أعلم.

وحديث الباب: من جملة الأدلة المتواترة في الكتاب والسنة على إثبات الوجه لله تعالى، فإنه صفة كمال، وسلبه غاية النقص والتشبيه بالناقصات، كسلبهم جميع الصفات أو بعضها، فوقعوا في أعظم مما فروا منه، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

وطريقة أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً: الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، على ما يليق بجلال الله وعظمته، فيثبتون ما أثبته لنفسه في كتابه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وينفون عنه مشابهة المخلوق، فكما أن ذات الرب لا تشبه الذوات، فصفاته كذلك لا تشبه الصفات، فمن نفاها فقد سلبه الكمال].