قال الشارح: [وقوله: (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) فيه فضيلة عظيمة لـ علي رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ليس هذا الوصف مختصاً بـ علي ولا بالأئمة؛ فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي يحب الله ورسوله، لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين لا يتولونه أو يكفرونه أو يفسقونه كالخوارج، لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم، فإن الخوارج تقول في علي مثل ذلك، لكن هذا باطلٌ، فإن الله تعالى ورسوله لا يطلق هذا المدح على من يعلم الله أنه يموت كافراً].
لأن الله جل وعلا علام الغيوب لا يخفى عليه شيء لا يمكن أن يثني على إنسان يرتد ويموت كافراً جل وعلا، ثم إن هذا -أي: كون الله جل وعلا يحب بعض عباده وكذلك رسوله- كثيرٌ جداً، وقد أخبر أنه يحب التوابين ويحب المتطهرين، والذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيانٌ مرصوص، في أشياء كثيرة، ولكن إذا نص الرسول صلى الله عليه وسلم على رجل بعينه أن هذا يحبه الله ورسوله فكل إنسان يود أن يكون هو ذلك المنصوص عليه؛ لكونه صار منقبةً عظيمة، وقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على أقوام أنهم في الجنة، فمن ذلك أنه شهد لـ أبي بكر أنه في الجنة، وشهد لـ عمر أنه في الجنة، وشهد لـ عثمان ولـ علي ولـ عبد الرحمن بن عوف وللزبير ولـ طلحة ولغيرهم كثير، وكذلك مثل الحسن والحسين، ومثل ثابت بن قيس بن شماس، ومثل عبد الله بن سلام، بل جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حصل ما حصل من حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب ذلك الكتاب وأرسله إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال له عمر: دعني أضرب عنقه فإنه منافق قال: (إنه من أهل بدر، وما يدريك لعل الله اطلع عليهم وقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) عند ذلك ذرفت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم.
وجاء غلام من غلمانه فقال:(يا رسول الله! والله ليدخلن حاطب النار.
قال: كذبت؛ إنه من أهل بيعة الرضوان)، وبيعة الرضوان هي التي حدثت في السنة السادسة للهجرة، وكان عدد الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقرب من ألف وأربعمائة، وأخبر الله جل وعلا أنه رضي عنهم ورضوا عنه، فقال:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح:١٨]، فهذه بيعة الرضوان، ولهذا يقول الإمام ابن حزم: كل من بايع تحت الشجرة فنحن نشهد له بالجنة بشهادة الله جل وعلا وشهادة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وغير ذلك كثير.
فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى هذه الأمة بكرامة الله جل وعلا؛ لأنهم هم الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين بلغوا الدين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الخلق، فهم الواسطة بين الأمة وبين رسولها صلوات الله وسلامه عليه، نقلوا القرآن والدعوة، ونقلوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله.