وأما قوله:(فإن كانت الدعوة قد بلغتهم) أي: فإن الدعوة تكون مستحبة.
وهذا لأن يهود خيبر الذين ذكر فيهم هذا الحديث كانوا قد بلغتهم الدعوة، وكثير منهم أُخرج من المدينة؛ لأنهم حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وحاولوا قتله وحاولوا مظاهرة الكفار عليه، وحاولوا بكل وسيلة أن يقضوا على الإسلام وعلى رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه، ثم أجلي بعضهم إلى الشام وبعضهم إلى خيبر، فهم كانوا عارفين بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وبالإسلام، ومع هذا قال صلى الله عليه وسلم لـ علي رضي الله عنه لما دفع له الراية:(امض على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام).
ولابد في الدعوة إلى الإسلام من أن يبين ما هو الإسلام، ولا يكفي أن يقول: أدعوك إلى الإسلام، بل يبين له أن الإسلام هو عبادة الله وحده، وترك عبادة كل معبود سواه، وأنه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته في كل ما أمر واجتناب كل ما نهى عنه، وأنه إقامة الشرائع التي شرعها الله جل وعلا، فإذا بين لهم فعند ذلك يقاتلهم إذا امتنعوا من القبول.
فأخذ من هذا أن تكرار الدعوة للكفار قبل القتال مستحبة، وإن كانوا قد دعوا قبل هذا فتعاد عليهم الدعوة مرة ومرة لعلهم يدخلون في الإسلام؛ لأن هذا هو المقصود، وأما القتال فليس مقصوداً لذاته، وإنما يقصد القتال لتكون كلمة الله هي العليا ويظهر دينه وينكف من يمنع انتشار الدين الإسلامي، فالذين يقومون في وجه الدعوة يجب أن يقاتلوا حتى ينكفوا عن ذلك ويتركوا الدعوة تمضي إلى عباد الله في الأرض كلها.