للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علو ذاته سبحانه لا ينافي قربه ومعيته لخلقه]

فإن كان هذا شيء من عظمته فكيف يجوز للإنسان أن يعبد معه غيره؟! وكيف يجوز للإنسان أن يصفه بما يتصف به المخلوق الحقير الذليل الذي لا يملك مع الله شيئاً؟! وإذا شاء عذَّبه ولا يُسأل ربك عما يفعل، تعالى الله وتقدس.

فعلوُّ الذات هو علو على جميع المخلوقات، ومع علوه تعالى وتقدس فهو معنا يسمع كلامنا، ويرى أفعالنا، ولا يخفى عليه مما في صدورنا شيء، فهو يعلم ما في الصدور: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤] معنا باطلاعه وإحاطته وقبضته، وبعلمه ورؤيته تعالى الله وتقدس، فهو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء؛ ولهذا يقول العلماء: لا منافاة بين المعية والعلو، ولهذا جمع الله جلَّ وعلا بينهما في آية واحدة، كما قال جلَّ وعلا: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:٣ - ٤] فأخبر بهذه الآية أنه استوى على العرش، وأنه يعلم كل شيء، وأنه معنا أينما كُنَّا، ومعيته جلَّ وعلا معية على حقيقتها؛ لأن المعية في لغة العرب معناها: المصاحَبة، وليس معناها: الامتزاج والاختلاط كما يزعم أهل الباطل، بل معناها: المصاحَبة، وهذا شيء معقول جداً، وهي تختلف باختلاف ما أضيفت إليه، فكل شيء تضاف إليه تكون معية مَن أضيفت له على ظاهرها، فمثلاً: يقول الإنسان: أنا مع فلان، وفلان يكون متحداً بنفسه فإنه وحده لا يختلط به، ويقول: معي مالي، وإن كان ماله في بلد وهو في بلد آخر، ويقول: معي زوجتي، وإن كانت زوجته في مكان وهو في مكان آخر، وسُمع من كلام العرب: سرنا مع القمر، والقمر في السماء وهم في الأرض، وكذلك: إذا ذُكرت المعية مع المصاحِب: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح:٢٩] يعني: صحبوه بالإيمان والقتال والجهاد والاتباع والطاعة، فإذا جاءت صفةٌ لله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ) فهو تعالى وتقدس معيته تليق به، ولا يجوز أن تكون معيته كمعية المخلوق للمخلوق تعالى الله وتقدس.

إذاً: معيته تعالى لا تنافي علوَّه، وكذلك لا تنافي قُربَه، فهو قريب منا وهو على عرشه تعالى وتقدس، فصفات الله يجب أن تكون خاصة به، وألَّا تكون خصائص الخلق التي تخصهم لله منها شيء، كما أن خصائص الرب جلَّ وعلا ليس للمخلوق منها شيء.

قال: [قوله: (الكبير)، أي: الذي لا أكبر منه ولا أعظم منه تبارك وتعالى].

ولهذا شرع الله جلَّ وعلا لنا أن نكبِّره، وأن يقول الإنسان دائماً: (الله أكبر) في جميع الانتقالات في الصلاة، وإذا هوى الإنسان ساجداً في الأرض، وإذا ركب دابةً، وإذا صعد إلى شيء، أو رأى شيئاً يعجبه، أو شيئاً لا يعجبه، فيذكر ذلك بتكبير الله أن يقول: (الله أكبر)، ولا يجوز للمؤمن إذا قال: (الله أكبر) أن يكون هذا في لسانه فقط، بل يجب أن يستشعر ذلك في قلبه، وألَّا يكون شيء من المخلوقات عنده أكبر من الله جلَّ وعلا، فهو الكبير فوق كل شيء، والكبير معنىً وقدراً وذاتاً تعالى الله وتقدس.