[النهي عن التردد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم]
قوله صلى الله عليه وسلم:(ولا تجعلوا قبري عيداً) يعني: لا تترددوا على قبري، وهنا لم يذكر لا سلاماً ولا غيره مطلقاً؛ ولهذا قال:(وصلوا علي أينما كنتم) يعني: أنه لا داعي لأن تذهبوا إلى القبر وتصلون علي هناك، بل في أي مكان صليتم علي (فإن صلاتكم تبلغني)، فهو المبلغ صلوات الله وسلامه عليه الصلاة، الصلاة التي يصليها عليه المسلم تبلغه، سواء كان المصلي عليه بعيداً وقريباً؛ ولهذا فإن الترداد على القبر ممنوع مفهوماً ونصاً، فالنص في قوله:(لا تجعلوا قبري عيداً)، والمفهوم في قوله:(فإن صلاتكم تبلغني) بعد قوله: (وصلوا علي أينما كنتم) فدل على أنه لا داعي للذهاب إلى السلام عليه عند قبره صلوات الله وسلامه عليه، فإنك أينما صليت عليه في أي مكان كنت فإن الصلاة تبلغه صلوات الله وسلامه عليه، يعني: أنها تعرض عليه، هذا معنى تبلغه، تعرض عليه ويقال له صلى الله عليه وسلم: فلان يصلي عليك أو فلان يسلم عليك.
ومن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة صلى الله عليه بها عشراً، فهي حسنة بعشر أمثالها، بل من أفضل الحسنات الصلاة عليه، فهذا حماية منه صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد، حتى لا يجر الشيطان من كان عنده ضعف إيمان أو ضعف علم فيدعوه إلى أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم، وهذا ممنوع، وربما إذا وصل إلى هذا الحد دعاه إلى أن يتجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوه بأن يشفع له، فيقول: يا رسول الله اشفع لي أو أعطني كذا، أو أنا جئت إليك أو أنا مستجير بك، أو نحو ذلك مما يقع لكثير من الناس، فهذا شرك؛ لأنه دعوة للرسول صلى الله عليه وسلم بالشيء الذي يجب أن يكون لله جل وعلا، وكل هذا نفاه صلى الله عليه وسلم، وحمى الأمة من أن تقع فيه بهذا الحديث وأمثاله.
ومن الجهل ما يقع من بعض الناس إذا علم أن صاحبه أو قريبه أو من يعرفه سيذهب إلى المدينة قال: سلم لي على رسول صلى الله عليه وسلم، وربما كتب كتاباً وقال: ضعه عند قبره، فهذا عمل باطل، وهو خلاف ما جاء به المصطفى، وكل ما كان خلاف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو رد على صاحبه كما قال صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، فهذا ليس عليه أمره، وأمره صلى الله عليه وسلم واضح وجلي قد بينه، ويجب أن يعلم، فتبين بهذا أن هذا كله صيانة لحق الله جل وعلا أن ينتهك، ورحمة بالأمة أن تقع في العنت ومواقع العذاب الذي يشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فصلوات الله وسلامه عليه الذي نصح الأمة وأدى الأمانة، وقام بكل ما وجب عليه للأمة، بل وأكثر من ذلك رأفة بهم ورحمة.