للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الذم لمن يضيف النعمة إلى غير الله تعالى]

قال رحمه الله تعالى: [قال: وقال أبو العباس بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه أن الله تعالى قال: (أصبح اليوم من عبادي مؤمن بي وكافر) الحديث.

وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به، قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة والملاح حاذقاً، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير].

قال رحمه الله تعالى: [قوله: (وقال أبو العباس) -هو شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الإمام الجليل رحمه الله.

(بعد حديث زيد بن خالد) - وقد تقدم في باب الاستسقاء بالأنواء.

قال: (وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به، قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة والملاح حاذقاً، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير) انتهى].

الحديث تقدم، وهو حديث ثابت في صحيح مسلم وفي غيره عن زيد بن خالد في قصة غزوة الحديبية: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح على إثر سماء كانت من الليل، فقال: أتدرون ما قال ربكم البارحة؟ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكوكب ومؤمن بالكوكب كافر بي.

أما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)، وسبق أن معنى الإيمان هنا الاعتراف بالفضل ونسبة النعمة إلى الله جل وعلا، أما الكفر فمعناه جحد النعمة وإضافتها إلى غيره.

والإيمان بالكوكب هو كونه نسب إليه نزول المطر، فيقال: مطرنا بنوء كذا، ومن المعلوم -كما سبق- أنه ليس المقصود أن الكوكب هو الذي يخلق المطر وهو الذي ينزله، فما كانوا يعتقدون هذا، وإنما كانوا يقولون: إن المطر جاء بسبب هذا الكوكب في طلوعه، لهذا يضيفون إليه ذلك، فيقولون: النوء الفلاني محمود وغزير المطر وكثيره، والنوء في الواقع ليس عنده مطرْ وليس عنده قحط، وليس عنده شيء من التصرفات، إنما هو مسخر مدبر يسير حيث سيره الله، فنسبة المطر إليه أو غير المطر من أعظم جحود النعم، ومن الخطأ الواضح، ومن ذلك ما يحدث اليوم كثيراً في بعض الصحف وفي بعض المجلات، وقد يوجد في بعض الإذاعات أن الطالع الفلاني يكون فيه كذا وكذا، وأن من كان طالعه كذا فسيصيبه كذا وكذا، وأنك في هذا اليوم أو في هذا الشهر ستصنع كذا ويصيبك كذا ويحدث لك كذا، وهذا كله من الكفر بالله جل وعلا، وإذا كان اعتقد الإنسان أن هذا حقيقة فهو كفر أكبر، أما إذا أضافه مجرد إضافة مع اعتقاده بأن الله جل وعلا هو المصرف لكل شيء والمدبر لكل شيء، وإنما جعل هذه أسباباً، فهذا من الكفر الذي لا يخرج من الدين الإسلامي، ولكنه كفر، وهو مذهب لكمال التوحيد، فيجب على الإنسان أن يتنبه لهذه الأمور، والأفعال سواءٌ أكانت في الأجرام السماوية، أو في الأرض مثل هبوب الرياح، أو كون الإنسان يوفق إلى عمل معين وأنه يحدث له شيء وإن كان هو الذي يقوم بالسبب كلها بتيسير الله جل وعلا وبتقديره وبتفضله على العبد، فلا يجوز أن يضيفه إلى غير الله جل وعلا.

أما الأمور التي وقعت وانتهت مثل شيء عمله فإنها أيضا يجب أن تكون إضافتها إلى الله جل وعلا، ولا يجوز أن تضاف إلى مخلوق من المخلوقات أو جزء ممن جعل سبباً لها.

والطريق في هذا أنه إذا أراد أن يضيف إلى سبب أو شيء يقول: إن هذا حدث من الله ثم من فلان، ومع ذلك لا يجوز أن يكون هذا على الحقيقة، فهو سبب فقط، بل الذي أوجد كل شيء وتصرف في كل شيء هو الله جل وعلا، والمخلوق ليس له دخل في هذه الأشياء، وربنا جل وعلا يخبرنا أنه جعل لكل شيء سببا، ولكن السبب لا يكون سبباً واحداً مستقلاً، وقد تكون هناك موانع كثيرة، فيكون جزءاً من السبب، وقد تكون هناك أسباب عدة يكون واحداً منها، فلو شاء لعطل الأسباب كلها أو بعضها ولم يحدث شيء.

وكم يصنع الإنسان من أشياء يقدر في نفسه أنه مهيمن عليها ثم لا يستطيع ذلك وإن وجدت الأسباب التي معه؛ لأن الأمور كلها بيد الله، ولهذا لما قيل لبعض العرب: كيف عرفت الله؟ قال: بنقض العزائم.

لأن الإنسان يعزم على الشيء ثم في لحظة يبدو له غير ذلك، فمن أين جاءه هذا؟ فالأمور كلها بيد الله جل وعلا يصرفها.

فإذا حدث للإنسان حادث هو سبب فيه أو غيره سبب فيه فإنه يجب أن يضاف ذلك إلى محدثه، ولا يمنع هذا من أن الإنسان يؤاخذ بأعماله، ويؤاخذ بما كان سبباً في وجوده؛ لأنه يجب أن يتصرف على وفق الشرع، ولا يكون سبباً في إتلاف شيء أو في منع شيء مما هو لغيره، فإن حصل ذلك فهو مؤاخذ بما كان هو السبب فيه، ومع ذلك كل الأمور بيد الله جل وعلا.