قال الشارح: [والشاهد منه في هذه الآية قوله: (إن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً)، وهذه الآية دالة على توحيد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، وقد استدل بها كثير من المفسرين على وجود الصانع، وهي دالة على ذلك بطريق الأولى، والآيات الدالة على هذا المقال في القرآن كثيرة جداً، وسئل أبو نواس عن ذلك؛ فأنشد: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لُجين ناظرات بأحداق هي الذهب السبيك على قُضُب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك] مقصوده في هذا أن النبات دليل من دلائل وجود الله جل وعلا، والعيون الناظرات أي: الأزهار التي تختلف ألوانها، وروائحها وطعومها والتربة واحدة والماء والهواء واحد، فكيف خرجت هذه الزهور من هذا التراب؟ من الذي أخرجها؟ هذه كلها تدل على أن الله جل وعلا هو الذي خلقها، وهذه جزئية، وإلا ففي كل شيء دليل يشهد أن الله جل وعلا هو الخالق وحده وليس معه مشارك في ذلك؛ حتى لو أن الإنسان تأمل في نفسه:{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١]، لوجد ذلك.
وكذا لو نظر الإنسان في العالم كله لا يجد شخصاً يمكن أن يكون مشتبهاً بالآخر من كل وجه بحيث لا يميز عنه أبداً، هذا مع كثرتهم، وكذلك أصواتهم لا يوجد من يشبه صوته صوت الآخر، إذ الرجل صوته متميز عن الآخر وعن المرأة، والمرأة صوتها متميز عن الأخرى، وكذلك أبدانهم، مثل الأنامل التي لا يمكن أن تكون واحدة مطابقة للأخرى في كل الناس على كثرتهم، كما قال الله جل وعلا:{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١]{فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ}[الطارق:٥ - ٦]{قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}[عبس:١٧ - ١٩].
ماء مهين فكيف خرج منه هذا العاقل؟! كيف صار له السمع والبصر واللسان والأمعاء والفم والأيدي والأرجل؟! هل يستطيع أحد أنه يأتي بهذا من هذا الماء؟ ولو وضع على منضدة أمام طب العالم فلا يمكن أن يستخرجوا منه عظمة أو لحمة، والله جل وعلا خلق منه الذكر والأنثى بهذه الصفة العجيبة.
المقصود: أن الآيات في الأنفس والآفاق الدالة على الله جل وعلا لا حصر لها.
قال الشارح:[وقال ابن المعتز: فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد؟! وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد].