أما أهل البدع فأنهم ما استطاعوا أن يستوعبوا هذا وقالوا: الشيء الذي يتجزأ إذا ذهب جزؤه ذهب كله، فإذاً إذا وقع شيء من مقتضيات الكفر يكون كافراً، مثل فعل الزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها، فجعلوه كافراً بارتكاب الكبيرة، وهؤلاء هم الخوارج الذين خرجوا عن الحق إلى الباطل، فأخرجوا المسلمين العصاة من الدين الإسلامي وجعلوهم كفرة، وحكموا عليهم بأنهم يجب أن يقتلوا وتسلب أموالهم، وإذا ماتوا كانوا في النار خالدين فيها، هذا هو مذهبهم الذي يعملون به.
فصاروا يقتلون المسلمين ويدعون الكافرين، ولا يوجد أحد من الخوارج قاتل الكافرين، وإنما قاتلوا المسلمين، أما إخوانهم من أهل البدع كالمعتزلة فإنهم خالفوهم في التسمية.
قالوا: لا نسميه كافراً، كما أننا لا نسميه مؤمناً أي: أن الإنسان إذا شرب الخمر فقد خرج من الإيمان ولكنه لم يدخل في الكفر، فصار بين الإيمان والكفر، وهذا شيء استحدثوه ولم يسبقوا إليه، وجعلوا هذا أصلاً من أصول دين الإسلام عندهم، فقالوا: الدين الإسلامي مبني على خمسة أركان هذا أحدها، وهو المنزلة بين المنزلتين، وهذه الأركان مخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما بعد الموت فإنهم وافقوا إخوانهم الخوارج فقالوا: إذا مات فهو في النار خالداً فيها لا تنفعه شفاعة الشافعين.
إذاً فما الفائدة من هذه التفرقة في الاسم وقد وافقوا الخوارج في الحكم في الآخرة، وخالفوهم في التسمية فقط، وكذلك الحكم عليه بأنه كافر في الدنيا، وهذا كله مخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو خروج عن الكتاب والسنة، وهذه الأقوال من الفساد بل من أعظم الفساد في الأرض.
ولهذا ترتب على ذلك القتال والخلاف والمنابذة والمعاداة، بل وقعت حروب كلامية بين أهل السنة وبين هؤلاء من المعتزلة ومن نحا نحوهم، فأضعفت المسلمين، وذهبت بريحهم، وسلطت عليهم الأعداء، ولا يزالون في آثار ذلك من جراء هذا، فهذا من أعظم الفساد في الأرض، نسأل الله العافية.